Wednesday, July 27, 2011

مراقبة خارجية




تذهب قبل اللجنة بعشر دقائق...تحمل كراسات الاجابة وورقة للغياب ؛ لتسجيل الحضور ..تدخل اللجنة , تجد الطلبة يجلسون في جماعات..يقلبون أوراقا ودفاترا في عجلة من أمرهم ُمحدِثين أصوات عالية ..

ترفع صوتك قليلا وتقول: يلا يا بشمهندسين 4 صفوف

ينقطع ضجيجهم لثوان ويلتفتون اليك ثم يعودوا لتقليب الاوراق غير مبالين بطلبك وكأنك جملة اعتراضية توقفوا عندها لبضع ثوان ثم تابعوا القراءة

تطلب منهم مرة أخري وبصوت أعلي :يلا يابشمهندسين 4 صفوف

..

لايلتفتون اليك ايضا..

تضيف تهديدا الي طلبك مع لهجة صارمة حاسمة هذه المرة وتقول :كله من وقتكوا..مش هااوزع ورق الاجابة غير لما كل الناس تقعد في أماكنها

ينفك عقد الجماعات هذه المرة ويبدأون في التسلل بخفة الي الصفوف حاملين أوراقهم مع استمرارهم في تقليب الصفحات ؛ انها قناعتهم بأن ماسيقرئوه الآن سيأتي في الأمتحان

يأتي ورق الأسئلة وانت بعد لم توزع عليهم كراسات الاجابة

..

تقول لهم بعد ان تظبط الصفوف : اللي معاه حاجة تخص المادة يطلعها بره

.يستجيبون لندائك هذه المرة لأن الوقت قد أزف وبدأ العد التنازلي فعلا وهم يعرفون ان " كله من وقتهم " ولن تأخذك الرحمة بهم في نهاية الوقت وتمده لهم بضع دقائق

تبدأ في توزيع أوراق الاجابة ...يأتي زميلك الآخر لتوه ولم يشاركك نداءاتك العالية المتكررة التي كانت أشبه بكرة تُضَرب في حائط لترتد اليك مرة أخري ..كانوا هم الحائط الذي ارتدت عنه نداءاتك

يقوم زميلك بتوزيع ورق الأسئلة ويقول لهم بصوت عالٍ بعض الشيء :كل واحد يطلع اثبات الشخصية قدامه

ثم يصمت قليلا بينما هم يخرجون اثباتات شخصيتهم ويعود يسأل : حد قاعد مامعهوش اثبات الشخصية بتاعه..

لا يصله رد فيعتبر ذلك اجابة منهم أن الجميع معه اثبات الشخصية

تمر عليهم انت وزميلك طالبا طالبا لمراجعة البيانات التي علي اثبات الشخصية بالبيانات التي دونوها علي كراسة الاجابة

طالب , اثنان , والثالث لا تجد أمامه اثبات شخصيته..

تطلب منه بهدوء :اثبات الشخصية يا بشمهندس..

فيخرجه..تستعجب ..لقد طلبت من الجميع اخراج اثبات شخصيتهم امامهم فاستجاب البعض بينما لم يستجب البعض الآخر , اكان ذلك تطنيشا منهم ام كسلا ربما كنت تحدث نفسك وانت تطلب منهم ذلك فلم يسمعوك

تصل الي ذلك الطالب الذي لايحمل اي اثبات شخصية..يخبرك انه قد نسي بطاقته

تقول له وقد بدأ دمك يفور لكنك تتجاهل هذا الفوران :هو احنا مش قولنا اللي مامعهوش اثبات شخصية يتكلم

يرد الطالب عليك بهمهمات

تقول وقد زاد فوران دمك : مين تاني يابشمهندسين مامعهوش اثبات شخصية

لايتلفت اليك أحد كالعادة

توجه كلامك له وحده وتقول :اكتب علي الكراسة بدون اثبات شخصية وبكرة في الكنترول تجبهولهم

تتابع المرور علي باقي الطلبة حتي نتهي منهم جميعا...

تمر علي الحوائط فتجد كلاما كثيرا مكتوبا ..بعضه له علاقة بالمادة التي يمتحنوها الآن والبعض الآخر ليس له علاقة..تبدأ جاهدا انت وزميلك في ازالة آثار هذا الكلام..

يستغلون انشغالكما ويبدأون في الكلام..الآن فقط ظهر لهم صوت..انت منذ دخلت عليهم قبل بدء الامتحان بعشر دقائق وانت لم تسمع لهم صوت وكأنهم اتخذوا من الصمت منهجا ومنهاجا..

يقول زميلك: امنع الكلام يا بشمهندسين وبعدين..

يعودوا يلتزموا الصمت مرة أخري..لم تمر بضع دقائق حتي انهالوا عليك بالأسئلة فهم يريدون تفسيرا وشرحا لكل سؤال في ورقة الأسئلة واذا قمت بالرد عليهم وجدت شلالات من الاسئلة تتدفق ولا تنتهي ابدا ...انهم يفسرون الأسئلة بأسئلة وكلما قمت بتوضيح اسئلتهم وضعوك امام اسئلة جديدة تزيد الأمر صعوبة وتعقيدا..

تتذكر قوم بني اسرائيل عندما طلب منهم سيدنا موسي أن يذبحوا بقرة فاانهالوا عليه بأسئلة من كل حدب وصوب عن هذه البقرة..فتشفق علي سيدنا موسي ..لكنك تتذكر أنه نبي وأن الله منحه قدرة الصبر علي هذا الابتلاء..صحيح أنهم لا يشبهون بنو اسرائيل الا في هذه النقطة فقط لكنك لست نبي ولا طاقة لك بتحمل كل هذه الاسئلة

.تجد لنفسك مخرجا من هذه الأسئلة –عندما تكتشف ان اسئلتهم هذه ماهي الا لاستدراجك ليصلوا بك في النهاية الي الاجابة- وتقول : ماحدش يسألني في حاجة ..انا مش معيد المادة

عندما لا يجدوا منك جدوي, يبدأون في ممارسة طقوسهم الغريبة والطريفة في الغش , كأنهم مثلا يلتفتون لمن خلفهم..منذ ان كنت طالبا وأنت تعرف أن الغش المتعارف عليه يكون ممن يجلس أمامك وليس ممن خلفك لأن هذا لا يلفت الانتباه..الدوران للخلف يلفت الانتباه اكثر..

او ان تجد أحدهم يمد برأسه وجسمه الي الامام يحاول النظر في كراسة اجابة طالب يتقدمه بفين او ثلاثة صفوف متجاهلا الغش من طالب امامه مباشرة او طالب الي جواره...تشعر انهم يتعمدون لفت الانتباه اليهم فتبتسم له وتقول : كدا عينيك جايبة الكلام يعني...

ينظر اليك ويرد بابتسامة ويقول : مابغشش علي فكرة

تبدأ في تضييق الخناق عليهم انت وزميلك لكنهم لا يستسلمون ومايزيدهم ذلك الا اصرارا علي مواصلة طريقهم مطبقين المقولة التي تقول "اطلبوا العلم ولو في الصين" بكل حذافيرها...

تبدأ عناصر الشغب تكشف عن نفسها تنظر لهم فيبتسمون لك ابتسامة يكسوها بعض الحرج أنهم لن يكرروا هذا الفعل مرة أخري..لكنهم لا يفعلون فتغير أماكنهم وتُجلسهم في الصفوف الأمامية يعترضوا في البداية لكنهم في النهاية يمتثلون لطلبك

تجد البعض ينظر لك طوال اللجنة بابتسامة ..هو لايفعل شيئا سوي ابتسامة تنم عن نية خفية يضمرها بداخله تتعلق بشأن انتظاره اللحظة المناسبة لاخراج البرشامة التي معه..

يمر الوقت بطئيا جدا وكأن الدقيقة صارت مائة ثانية والساعة صارت مائة دقيقة....

يوشك الوقت علي الانتهاء تقول بصوت عالٍ: كل واحد يجهز ورقته قدامه الوقت خلص

لا يلتفت احد اليك حتي صاحب الابتسامة التي كان يلاحقك بها تخلي عنها وعاد يكتب في كراسة الاجابة وكأنه تذكر فجأة أن هناك امتحانا يجب ان يؤديه

تمر عليهم لتأخذ كراسات الاجابة فيطلبون ثوان اضافية لكنك ترفض

يقولون لك أحدهم : طيب حضرتك لم من الباقي وخليني في الآخر ..

لا تستجيب لطلبه لأن هذا يعني ان اللجنة كلها هاتفضل للآخر

بعد عناء تقوم بجمع كراسات الاجابة وكأنك كنت تنتزع صيدا ثمينا من فك الأسد

Monday, July 4, 2011

أجل غير مُسمي


كانت ملامحه بسيطة لم يكن بها شيء يلفت النظر سوي ذقنه التي طالت وكبرت الي الحد الذي يسمح له بتقبيلها....يرتدي جلبابا أبيض قصير يمتد أسفل الركبة بشبر أو أكثر من الشبر بقليل وسروال قصير يعلو قدميه بعدة سنتيمترات ..حذاؤه أسود اللون مفتوح من الأمام بحيث يظهر جميع أصابع الرجل ومفتوح من الخلف ايضا حيث يبدو الكعب أبيض تخالطه حمرة متفرقة ...شعره أسود لامع تماما مثل حذاؤه

كان شابا في منتصف العشرينات يأتي ليؤدي امتحان نهاية كل فصل دراسي , يرافقه اثنان من ضباط الشرطة بزيهم الأسود وكأنهم اختاروا لزيهم لونا غير الأبيض حتي لا يلتبس الأمر علي الآخرين وكأن اللون الأبيض قد صار جرما وافكا .. كل منا يرتدي ما يناسبه وما يعبر عنه

كان قدومه حافلا يترقبه الجميع في اهتمام وشغف ...فحياة الناس هناك مملة رغم أحداث حياتهم اليومية الصاخبة..لكن هذه الأحداث الصاخبة يحفظونها عن ظهر قلب حتي باتت لا تثير فيهم أي حماس أو رغبة في عمل شيء جديد…ربما كانوا هم أيضا أكثر مللا من حياتهم

يلتفت اليه الجميع لكنه لا يلتفت الي احد ..يمشي مطرقا رأسه في الأرض ...يقبل ذقنه ويتمتم ببعض الكلمات تستطيع بسهولة أن تعرف أنها استغفار وتسبيح

كان قد انضم الي جماعة الاخوان المسلمين فتم اعتقاله وتسجيله كعضو نشط في الجماعة مما يعني انه يهدد الأمن العام للبلاد وهذا يقتضي اعتقاله لأجل غير مسمي

يتأسف الجميع عليه وعلي شبابه الذي تنفرط حباته علي مدار السنين

لم تكن له اي توجهات سياسية أو أخوانية فيما مضي لكنه التخبط كان يعتقد ان هذه الجماعة بحوزتها الهداية والرشاد وكان بحاجة الي ان يعود الي الله فاانضم اليهم ونسي ان الدين والهداية نحصل عليهم بالرجوع الي الله وليس الي الجماعة..ربما ادرك خطأه هذا ولكن بعد اعتقاله

كنت اتسائل اليس هناك ثمة استئناف أو نقض لهذه التهمة التي الحقوه بها ...لكني عرفت انها قضية امن دولة ولا سبيل لخروج أمثاله من السجن الا بعد ان يمتص العمر رحيق شبابهم وعنفوانهم في الحياة...اي دولة هذه الذي يهدد امنها شاب يبحث عن الهداية

ربما كانت سياستهم "اضرب المربوط فيخاف السايب"

هو يعرف انه لن يعود الي الحياة والشوارع والناس الا بعدما ينقضي هذا الاجل الغير مسمي لكنه رغم ذلك يأتي ليؤدي امتحانات نهاية السنة الدراسية كل عام بانتظام ...يجتاز بعضها ويرسب في البعض الآخر.. لكنه يأتي

هل لأن خروجه لأداء الامتحانات فرصة جيدة ليعانق أشعة الشمس بحرية من دون جدران او نوافذ ام ليري وجوه الناس الحرة فيفيضوا عليه من حريتهم هذه فيشعر ولو لسويعات أنه حر...

الناس لم يكونوا احرار ولم تكن وجوههم حرة ..بل كانت اشعة الشمس هي الحرة ...لقد كانوا يعيشون تحت وطأة الغلاء والمرض والفقر لكنهم علي كل حال أفضل منه لأنهم يجوبون الشوارع والطرقات بحرية وهو يجوب زنزانته وطرقات سجن مظلم وكئيب بخوف وانكسار

ام انه الأمل الذي تمخض من ايمانه وثقته بالله بأن هناك يوما سوف يأتي وعن قريب يعود فيه الي العالم وينعم بمباهجه وأفراحه

يخرج شبابا في عمر الزهور مثله ينادون باسقاط النظام ويسخر منهم من لم يشاركهم هتافهم ثم تدب الفوضي أرجاء البلاد وينادي الجميع هؤلاء الشباب أن يكفوا عن الصراخ ..هكذا رأوا ثورتهم صراخا...لكن لا شيء يزعزع ثقتهم في الله وفي أنفسهم, يواصلوا هتافهم وتزداد اعدادهم بعدما رحل عنهم رفاقهم وماتوا في سبيل الله والوطن امام اعينهم...وتحقق الثورة مبتاغها ويتنحي من كانت بيده مقاليد الأمور ويسقط من بعده رؤوس الأفاعي التي كانت تبخ سمومها في البلاد....يداعبه الأمل أنه سيخرج من هنا عما قريب

تهدأ الثورة ولا يخرج من المعتقل , يهدأ أمله لكنه لا يموت

بعد أيام قليلة تعود الثورة ترسم ملمحا جديدا لها وتحترق مباني أمن الدولة... يتم العفو عن المعتقلين ويخرجون جميعا وهو معهم....يحتضن الكون ويعانق السماء ويقبل الأرض ...لا يصدق ان هذا الأجل الذي لم يجدوا له اسما وهم يصدرون امر اعتقاله أنه سينقضي بهذه السرعة

...ثلاث سنوات قضاها في المعتقل يزداد يقينه في الله يوما تلو الآخر أن هذا الأجل الغير مسمي سيصير له اسما يوما ما وسيخرج من هذه الجدران للهواء والشمس

Wednesday, June 1, 2011

نشأت...2



وبين جدلنا نحن الثلاثة ومفاوضاتنا علي كتابة الواجب كانت المدرسة قد وصلت لنا ووقف نشأت وصديقتي لينالوا عقابهم لكنني لم أترك صديقتي تنال عقابا كان من الممكن تلافيه لولا نشأت الذي ضيع عليها الوقت ولم تستطع كتابته

اخترعت حكاية للمدرسة ان اخو صديقتي الصغير قد مزق لها كراسة الواجب بينما انا كنت معها نكتبه سويا..انطلت الحكاية عليها خاصة انني احكمت تأليفها وتمثيلها واخراجها..كما ان صديقتي قد تقمصت دور الطالب المجتهد الذي ضاع مجهوده وهي كانت فعلا طالبة مجتهدة وسريعة البديهة غير انها كانت تضيق ذرعا بالواجبات المدرسية فلم تكن تكتبتها الا نادرا..اقتربت المدرسة منها وربتت علي كتفها وقالت لها:خلاص مايهمكيش ..الحصة الجاية ابئي هاتيه

معاكي

كان نشأت فاغرا فاه وهي يري مسلسلا تراجيديا يقوم بتمثيله اثنان من عمالقة الفن في الفصل وجمهورا متمثلا في المدرسة يصدقه بل ويصفق له ايضا

بقي نشأت واقفا ينتظر عقابه...هو يعرف اننا نكذب لكنه لا يملك دليلا واحدا علي كذبنا

يتوعدنا نشأت انه لن يترك هذا الموقف يعدي بسلام بينما انا وصديقتي كنا نحبس داخلنا ضحكا باتساع الدنيا ..ننتظر انتهاء الحصة حتي نطلق سراحه

تلقي نشأت ثلاث ضربات قوية علي يديه وجلس يتأوه بينما أنا وصديقتي لازلنا متقمصين دور الجدية والرزانة

تنتهي الحصة وتخرج المدرسة وتخرج معها ضحكاتنا ..يلتفت لنا نشأت ويقول بلهجته المميزة: ماشي ماشي ..انا في الفسحة هااروح اقولها كل حاجة

روحنا نسترضيه ونطلب منه العفو والسماح ووعدناه اننا سننفذ له كل طلباته ...

بعد هذه الحصة كنا نفعل لنشأت كل شيء...نكتب له الواجب في جميع المواد..نغششه في الامتحانات...نعطيه حلوي وساندويتشات ..نقرضه اقلاما ومساطر وممحاة ... كفت صديقتي عن توبيخها له وكنا نعتبره طرفا اولا في الحوار وليس ثالثا...وكلما كنا نضيق به ونغضب منه يعود الي تهديده ووعيده الذي كان صادقا حاسما اقرب الي التنفيذ منه الي التهديد

اذكر انها كانت المرة الأولي التي يمسك فيها احدهم عليّ ذلة...ربما لم تكن الأخيرة وان كانت الأبرز والأطرف من بين كل الذلل التي مسكها احدهم عليّ

وتلك الحكاية عن المدرسة التي كانت تخدم بالقصر جَعَلَنا نشأت أبطالا لها بدلا منها حتي صرنا نخدم عنده ...

وقتها فقط عرفت لماذا كانت كلمة التربية تسبق التعليم في شعار الوزراة.."وزارة التربية والتعليم" ...لو اتي موجها من الوزارة يفتش علي سير العملية التربوية في المدرسة لأخذت انا وصديقتي المركز الأول وعن جدارة والفضل في ذلك كان سيعود لنشأت طبعا

مضي علينا وقت طويل وانا وصديقتي تحت رحمة نشأت لا يكف عن وعيده ولا نكف نحن عن الخضوع لطلباته وأوامره حتي جيبنا أخر كما يقولون

في هذا اليوم الذي لم تطلع فيه شمس_علي نشأت طبعا_بينما كانت طلعت علينا طبعا,

في الحصة الأولي ..وقبل ان يقول لنا نشأت صباح الخير قال :انا ماكتبتش واجب الرياضة مين فيكوا اللي هايكتبهولي

ردت صديقتي: احترم نفسك بئي يا نشأت

قال: هاتعملوه ولا اقوم اقول للأستاذ

قولت له: طيب بص ادامك واحنا هانعملهولك

والتفت نشأت عنا .. لما دخل المدرس الفصل ذهبت اليه بخطي هادئة بينما الجميع يترقبني و قلت له وانا أتصنع الوداعة والمسكنة: يا أستاذ عاوزة حضرتك في موضوع

قلق الاستاذ وقال: خير عاوزة ايه

انا:ممكن بره الفصل

خرج معي المدرس دون مناقشة ..فقد كانت وداعتي تطغي عليه وعلي الحضور وعلي الاشياء من حولي

قلت له: دلوقتي يا استاذ نشأت بيقول علينا اننا بنقول كلام وحش علي مدرسة الرياضة واحنا ماقولناش عليها اي حاجة وكل شوية يقول لو ماعملتوش الواجب ليا هااروح اقولها انكوا بتقولوا كذا وكذا واحنا كنا بنخاف لو ماعملناش له الواجب يروح يقولها وتصدقه...وبقالنا علي الحال دا كتير والنهاردا الصبح جاي يقول لو ماعملتوش الواجب ليا هااروح اقولها واحنا مش عارفين نعمل ايه

سكت المدرس للحظات وقال لي: ايه التهريج دا..ازاي ماعرفتنيش من الأول ...ادخلي طيب وانا هااتصرف

دخلت الفصل وملامح الوداعة كانت قد اتخذت من نفسها ملمحا جادا وأصيلا علي وجهي

ودخل المدرس ونادي عليه: يا نشأت

هو: ايوا يا أستاذ

المدرس: تعالالي هنا

ذهب اليه

المدرس: شايف سلة الزبالة دي

هو: مالها

المدرس: وشك للحيط وارفع ايديك فوق وانت شايلها

بلهجته المميزة :ليه انا عملت ايه

المدرس بلهجة حاسمة حازمة:سمعت انا قولت ايه..ولا تطلع بره وماتجيش غير بولي أمرك

رمقنا نشات بنظرة يملؤها الوعيد...شعر ان في الأمر خدعة ما ..وقرر انه سيذهب الي المُدَرِسَة بعد هذه الحصة ويشي بنا عندها

وقف نشأت وشه للحيط وظهره لنا رافعا يده الي فوق وهي تحمل سلة المهملات

الجميع يسأل عن السبب وما علاقة ماجري لنشأت بخروج الاستاذ معي خارج الفصل..ماذا عساي قلت له حتي يعاقب نشأت مثل هذا العقاب

همست لي صديقتي :انتي عملتي ايه..يخرب عقلك

انا:بعد الحصة هااحكيلك كل حاجة...بس اطمني الموضوع انتهي خلاص

انتهت الحصة ونادي المدرس علي نشأت..

لم يحك لنا نشأت عن الحوار الذي دار بينه وبين المدرس لكني استطيع ان اخمن ما دار بينهما..

لقد حذره المدرس ان يعود الي الحديث في الكلام الذي اخبرته به..اعرف ايضا ان نشات ربما اقسم له اننا قولنا هذا الكلام فعلا علي المدرسة لكنه لم يصدقه..لأنني صاحبة الشكوي واننا نستطيع ان نبرأ انفسنا من تهمة الكلام لكنه لن يستطيع ان يبرأ نفسه من تهمة الواجب الذي كنا نكتبه له خصوصا ان خطي وخط صديقتي مميزا جدا كما ان خط نشأت كان مميزا ايضا ولم يكن يشبه خطنا في شيء

بعد هذا الموقف ربما جمعتنا صداقة حقيقة مع نشأت وان كنت انا وصديقتي لم نقابله بعد ذلك الا مرة او مرتان لكننا كنا ولازلنا نذكره بالخير ولا اعرف هل كان يذكرنا هو ايضا بالخير ام لا

توقفت انا وصديقتي عن تأليف حكايات التعذيب عن المدرسين وغير المدرسين..لقد علمنا نشأت درسا عظيما يجب ان يدرس في مناهج التربية والتعليم للمرحلة الابتدائية وهو اذا كنت ستتكلم عن مدرس فعليك أن تتأكد ان نشأت لا يسمعك ولا يعرف عن من تتكلمون

تمت


نشأت ...1


Monday, May 30, 2011

نشأت...1



ثلاثة صفوف ...صف للبنات..واثنان للبنين

في آخر صف البنين الواقع في منتصف الفصل كنت اجلس انا وصديقتي , كنا قد سئمنا الجلوس في الصفوف

الأمامية واردنا في هذه السنة النهائية من المرحلة الابتدائية أن نجلس في الصفوف الأخيرة...ربما كان ذلك تمردا

منا علي المألوف والمعتاد بأن يجلس الطلاب في الصفوف الأمامية او احتفالا منا بنهاية تلك المرحلة الجميلة في

في حياتنا بالجلوس في مكان مختلف عن باقي الأماكن التي كنا نجلس فيها قبل ذلك حتي وان كان هذا المكان في آخر الفصل وفي أحد صفوف البنين

كانت علاقاتنا جيدة مع زملائنا البنين والبنات وان كانت جيدة أكثر مع البنين

كان يجلس امامنا ولدان...احدهما يكبرنا بعام ...كان قد رسب في هذه السنة....اندهشت حين عرفت ذلك..ما رأيت

ولا سمعت عن احد رسب في هذه المرحلة... كان هادئا مسالما علي النقيض من زميله نشأت الذي كان مشاغبا

ومشاكسا ..كان لا يكف عن الكلام , دائما ما يدخل طرفا ثالثا في حوارنا انا وصديقتي

كانت له لهجة علي رغم غرابتها فقد كانت مميزة...كان ينطق الكلمات علي مهل كإنسان آلي ...كان دائما مايدخل

طرفا ثالثا في حوارتنا دون استئذان ...ويتابع الكلام معنا وكأنه معنا من اول الحوار

كانت صديقتي تعنفه في كثير من الأحيان وتوبخه حتي يكف عن تدخله في الكلام معنا الا انه لم يكن يأبه لتوبيخها

كان صديقنا الرخم وكنا نحب رخامته

كانت لنا مُدَرسة عابسة الوجه سريعة الغضب وكان غضبها حادا ...كنا جميعا لا نحب حصتها- رغم طيبتها- وكلنا نعرف انها طيبة لكن الابتسامة مفتاح القلوب والتكشيرة اقفالها وطيبتها هذه لم تشفع لها عندنا اذا كانت هي قد اتخذت من العبوس مبدأ ومنهجا....

كنت انا وصديقتي نتكلم عنها في تلك الحصص التي يتغيب فيها المدرس او في حصص النشاط الفني او التربية

الرياضية او بين الحصص ونتخيل ان لنا قصرا وان هذه المدرسة تخدم عندنا في القصر وكان الخيال يأخذنا ونحكي

كيف قمنا بتعذيبها والتنكيل بها بينما هي ذليلة لا تتكلم

ظللنا علي هذه الحال كثيرا..نخرج سخطنا وغضبنا علي هذه المدرسة بكلامنا الوهمي الأهبل عليها ...

حتي جاء هذا اليوم..في حصة من الحصص قامت المدرسة بتفتيش مفاجيء علي الواجب..الجميع يضطرب ويرتبك

تقول بصوت عالي: اللي ماعملش الواجب يقوم يقف

يلتفت لنا نشأت ويطلب منا ان نكتب له الواجب قبل ان تصل المدرسة لنا....نحن في آخر الصف الثاني ولدينا فرصة

ان ننهي بعضا من الواجب قبل ان يأتي علينا الدور...

رفضت صديقتي وعنفته..وقالت له: انا كمان ماكتبتوش هااقعد

اكتبه ليا ولا اكتبه ليك

قال لنا: لو ما كتبتوش الواجب ليا هااقول للأبله علي الكلام اللي انتوا بتقولوه عليها

ابتلعت ريقي وقولت:كلام ايه اللي احنا قولناه عليها

فأعاد علي مسامعنا حكاياتنا البلهاء الخرقاء عن المدرسة والفصل واعمال النظافة التي تقوم بها وتعذيبنا اياها

...

في لحظة واحدة التفتنا انا وصديقتنا الي بعضنا البعض مأخوذين بكلامه لا نصدق ما قاله..لقد كنا نتهامس وكلامنا لم يكن مسموعا..كيف له بكل تلك الحكايات

..يومها عرفنا ان نشأت "سوسة" وانه اذا لم يكن يتجاذب معنا

اطراف الحديث فهذا يعني انه ينصت ويخزن الكلام عنده ليخرجه لنا وقت اللزوم

غصبت صديقتي منه وقالت له: يعني انت قاعد تتصنت علينا

قال لها: هاتكتبوا ولا اقول للأبلة

وبين جدلنا نحن الثلاثة ومفاوضاتنا علي كتابة الواجب كانت المدرسة قد وصلت لنا ووقف نشأت وصديقتي لينالوا عقابهم لكنني لم أترك صديقتي تنال عقابا كان من الممكن تلافيه لولا نشأت الذي ضيع عليها الوقت ولم تستطع

كتابته

يُتبَع........

Friday, May 13, 2011

كراميل



كان الوقت مساءا...الشمس تلملم أشيائها وترحل ...والجو كان خانقا حد الاكتئاب....وكنت مكتئبة حد الملل ,أرغب في الخروج..لكن من عساه غيري يرغب في الخروج..بامكاني الخروج وحدي لكن ثمة أشياء كثيرة ستعكر صفو خروجتي اذا كنت وحدي....

جائني هاتفا من صديقتي تسألني اذا كنت أرغب في الخروج معها لشراء بعض الأشياء او لا ....اجبتها دون تفكير بالايجاب...خرجت انا وهي نبتاع أشياءا عديدة ...أخبرتني أن ثمة محل علي أطراف المدينة يصنع عصائر جيدة...وافقتها علي الذهاب الي هناك رغم أنه لم تكن بي رغبة لتناول أي عصائر لكني كنت أثق في ذوقها وحسن أختيارها لبعض المشروبات والمأكولات....عندما وصلنا كنت أتلفت حولي أبحث عن المحل فاذا بها تستوقفني وتخبرني أننا قد وصلنا...كان المحل عبارة عن طرقة تمتد الي مترين أو أكثر من المترين بقليل...وكانت هناك ثمة لافتة متواضعة مرفوعة علي أعلي المحل مكتوب عليها "كراميل" راقني الاسم كثيرا رغم أنني لست من عشاق الكراميل

كانت هذه الطرقة تطل علي شارع رئيسي... يتكدس الناس علي باب هذا المحل أو هذه الطرقة ...يمنعهم من الدخول منضدة بعرض المحل قد وضع عليها ماكينة الكاشير ورجلا في الأربعين من عمره أو قبل الأربعين بقليل ..يرتدي تي شيرت برتقاني اللون يأخذ الطلبات من الزبائن ويعطيها لأحد زملائه المنوطين بتنفيذ هذه الطلبات


في نهاية الطرقة يقف شابا -علي مايبدو في منتصف العشرينات- ينجز المشروبات الساخنة من شاي وقهوة ونعناع وقرفة الي آخر المشروبات الساخنة التي يمكن أن تتخيلها او لا تتخيلها...يرتدي أيضا تي-شيرت برتقاني اللون,بينما في المنتصف كان هناك شابا في نفس سن الشاب صاحب المشروبات الساخنة ينجز المشروبات الباردة

وهنا في المنتصف تجد كرنفالا من الألوان لمشروبات تضحك وتبتسم مثلما نضحك نحن ونبتسم ...وأكواب من البلاستيك الشفاف مرصوصة علي منضدة صغيرة فوق بعضها يصب في كل منهم مشروبات الشيكولاتة الباردة والفراولة باللبن والمانجو بالأيس كريم وغيرها من المشروبات الباردة اللذيذة....

تشعر أنك أمام فرقة أستعراضية تقدم لك اسكتشا استعراضيا مبهجا ..كان الشاب هو مايستروا الفرقة...لم يكن لون التي شيرت الذي يرتديه يختلف عن اللون الذي ارتداه زملائه.. ولا اعلم لماذا أختاروا اللون البرتقالي تحديدا ...هل لأنه لون قوي تستطيع أن تميزه بين كم الألوان الكثيرة المنتشرة في أرجاء المكان أم أنهم كل يوم يرتدون لونا مختلفا وقد تصادف اليوم ان ارتدوا اللون البرتقالي

رغم تزايد أعداد الناس الواقفة علي باب المحل الا أن هذا الشاب كان يقود فرقته الاستعراضية في هدوء وتريث وكأنه فنان...لاشك انه كذلك فهذا هو تصرف الفنانين...رغم ذلك كان ينهي الطلبات في سرعة ...وتعجبت لجمعه بين هذين النقيضين ...التريث والسرعة...

تسائلت اين تعلم هذا الشاب هذه المهارة.. نعم انها مهارة ولو طلب مني ان أقوم بعمله فلن أستطيع ...بعض الأعمال نظنها سهلة بأمكاننا القيام بها الا انها ليست كذلك وتحتاج لأشخاص ماهرين..أشخاص يستطيعون العمل تحت ضغط دون أن يزعجهم هذا الضغط ويخرجهم عن شعورهم

كانت هناك مجموعة من الخلاطات الكهربائية تساعده في اتمام عمله...كان صوتها يطغي قليلا علي صوت من كانت تغني ...لا أذكر تحديدا صاحبة الصوت الملائكي لكن صوتها كان جملة لحنية تعزف برفق ليزداد المشهد جمالا وسحرا

كيف لهذ المكان الضيق أن يسع كل تلك الأعمال والمهام ...انه فن استغلال المساحات أم أن بهجة الألوان والمشروبات ودفء المشاعر والانسجام الكامل لهؤلاء الشباب مع مايقومان به هو من أضفي علي المكان سعة ورحبة

راح يصب مشروب الشيكولاتة الباردة في ستة أكواب وكأنه يعزف علي آلة الكورديون ولم تسقط نقطة شيكولاتة واحدة علي المنضدة ...نعم فنان

أخذ الشاب صاحب الأربعين ربيعا أكواب الشيكولاتة وناولها لصاحبها فوقع كوب منهم منه وانسكبت الشيكولاتة علي المنضدة بينما الباقي تساقط كزخات المطر علي الأرض

أعرف أن "دلق القهوة خير"..ماذا اذن عن "دلق الشيكولاتة

الشيكولاتة تدين بالفضل لهذا الشاب...كان مقدرا لها أن تنسكب لكنها لم تنسكب الا بعدما أعطاها هذا الشاب لزميله فأعطاه زميله للزبون...

جاء طلبنا سريعا بعد تنظيف المكان من الشيكولاتة ; أكواب المانجو بالأيس كريم ..كان لون المشروب أصفر ..لا أحب اللون الأصفر ..لكنه ابتسم لي هذا اليوم من خلف جدران الكوب الشفاف

"بعض الأشياء التي نكرهها تمنحنا بعض البهجة أحيانا"

روحت أتذوق بهجة اللون الأصفر وقد بدا لي عزف هذا الشاب جليا في أذني في كل مرة أتذوق فيها هذا المشروب

أنصرفت أنا وصديقتي وأنا أنوي العودة مرة أخري للاستمتاع بمعزوفة لحنية جديدة


Monday, May 2, 2011

أشياء كانت تميزني....2



"كان الأمر عندي بمثابة طفلة عثرت علي صندوق من الحلوي وراحت تأخذ منه كل يوم حلوي كثيرة والحلوي لا تنفذ أبدا".....


اذكر أول قصة كتبتها ...كانت تحكي عن ثلاثة أطفال فقدوا والديهم لكنهم رغم ذلك واصلوا حياتهم ونجحوا فيها وصاروا قدوة يُحتذي بها لكثيرين غيرهم...كانت مسابقة في المدرسة أن نكتب قصة تدورعن هذه الأحداث...ورأيت بعضا من أحداث القصة تدخل من باب الفصل مع من جاءت لتعلن عن المسابقة...شعرت بالخيال يتوهج داخلي...كانت هذه هي المرة الأول التي أشعر بتوهج الخيال داخلي...كنت ابنة الأحد عشر عامٍ...

ذهبت الي البيت وبعد أن أنجزت واجباتي المدرسية أتيت بورق أبيض وقلم وروحت أكتب القصة..كان الوقت ليلا....كتبتها في عدة صفحات علي ما أتذكر تجاوزت الخمس صفحات...وخرجت لأبي يقرأها ..كانت أمي الي جواره فقرأها بصوت عالي وارتسمت علي شفاهه وشفاه الحاضرين ابتسامة جميلة..كانت القصة بسيطة جدا تخللتها بعض العبارات العامية وبعض الأماكن الحقيقية التي نذهب اليها في حياتنا..كانت قصة بسيطة بها أخطاء كثيرة لكنها عفوية ..كانت هذه الاخطاء تحول ابتسامتهم الي ضحكات عالية...

بعدما انتهي أبي من القراءة..نظر اليّ نظرة لازلت اذكرها الي الآن ...نظرة يملؤها الاعجاب والحماس ..مدح ابي القصة كثيرا وايضا أمي وكافئني بمبلغ من المال وأيضا كافئتني أمي..أذكر انني في هذا اليوم جمعت نقودا كثيرة...كالتي أجمعها يوم العيد..كان هذا اليوم عيدا حقا
شجعني أبي أن أواصل الكتابة بعد ذلك...وفعلت
كتبت قصصا عديدة..اذكربعض أسمائها وكثير من احداثها الي الآن

"السمكة الجميلة"

"بندقة وعم دهب"

"لمياء والنحلة الكسولة"

"جحا والكنز"

"جحا والثعبان"

وغيرها من القصص
لم يصدق أصدقائي في باديء الامر انني من كتبت هذه القصص لكنهم بعد ذلك تأكدوا ان لا احد غيري يكتب هذه القصص وكنت انا وهم نقوم بتمثيل أحداث هذه القصص ونمضي أوقاتنا نتقمص أدوار الأبطال ونوزعها علي بعضنا تباعا....


ذاع صيتي في وسط العائلة وعلم الجميع بأمر القصص التي كنت أكتبها وامتدحوها كثيرا واختفت تلك الأخطاء العفوية التي وجدت في أول قصة..وازداد خيالي توهجا وتدفقا....وصارت لي شخصيات مثل التي في عالم ديزني...صنعت أبطالا وأصدقاءا حقيقين من ورق ...
بعد ذلك صارت كتاباتي أكثر طولا ...وصلت الي حلقات عديدة ...قصصا كُتبَت في أكثر من دفتر

"بنت الصياد"

"الدلافين السبع"

"الصندوق المسحور"

"الرجل الكروي"

"السيف الذي لا يقتل"

...وكان زملائي بالمدرسة يقومون بقراءة ما أكتبه أولا بأول ولا أبدأ في كتابة الجزء الجديد الا بعد أن ينتهي الجميع من قراءة الجزء القديم.....
كانت قصصي جميعها يغلب عليها طابع الخيال..الساحرة الطيبة ...الساحرة الشريرة...الأمير ..البئر المسحور...الأميرة...القصر ...كلها أحداثا خيالية....ولا أعرف لماذا كان هذا الطابع يغلب علي القصص..ربما طبيعة المرحلة السنية التي كنت فيها...فتاة في الثالثة عشر من عمرها

وقد نشرت احدي القصص في مجلة المدرسة في عددها الاول ...ووقف مدرس اللغة العربية يُبدي رأيه في المجلة في حصته....فاذا به يتوقف عند القصة التي نُشرت في المجلة....راح ينقدها نقدا شديدا...
قال انها مكتوبة باسلوب غير مترابط...وهناك أخطاء املائية كثيرة بالقصة..كما أن أحداثها ينقصها المنطق والعقل...لقد قال كلاما كثيرا ...وكأنه يوجه كلامه لكاتب ذو ثقل واسم في المجال الادبي..لقد كنت لازلت أتهجي فنيات هذا النوع من الأدب...كانت موهبة تشق طريقها الي النور...غير ان زملائي بالفصل ردوا عني وأخبروه ان القصة اعجبتهم كثيرا وانها أجمل ما في المجلة

لا أشيع سرا اذا قولت ان كلامه هذا أصابني بالاحباط ..وتوقفت عن الكتابة فترة كبيرة...لم اعود اليها الا بعدما اشتركت في مسابقة في مجال اللغة العربية..وقد كان المطلوب كتابة قصة او موضوع والقائها علي السامعين...كتبت موضوعا علي ما أذكر عن دور الأسرة في تنمية المجتمع..كتبته باسلوب قصصي ووضعت فيه تشبيهات كثيرة أضفت عليه حيوية وروحا.....وقد فزت بالمركز الاول من بين كثيرين تقدموا لهذه المسابقة علي مستوي المحافظة

عندما انتهت المرحلة الاعدادية وانتقلت الي المرحلة الثانوية...بدأت أهتمامتي تأخذ منحني آخر...قد يسعني الحديث عن هذه الاهتمامات لاحقا..المهم انني ذات يوم جمعت الدفاتر التي كتبت فيها القصص..كانت دفاترا كثيرة...وقررت أن اتخلص منها..سأتوقف عن الكتابة..نعم سأتوقف ..ما كل هذا الهراء الذي كنت أكتبه وأحكيه...هذه ليست قصصا بل كلاما فارغا..يجب أن أتخلص منها...وفعلت...أنتظرت حتي خلا البيت من أبي وأمي وأخوتي..وأحرقت جميع الدفاتر..كان الوقت صباحا
أول قصة كتبتها كان الوقت ليلا وعندما أحرقتهم كان الوقت صباحا..كأن عمري في الكتابة هو سواد الليل وليس أربع سنوات
وشعرت بعدها براحة كبيرة وكأنني تخلصت من حمل كبير....واكتشفت بعدها كنزا غير حياتي كثيرا..سأتحدث عن هذا الكنز أيضا لاحقا

مرت السنون بعد ذلك وندمت علي حرق هذه الدفاتر....لأني أدركت ان أسلوبي وقتها كان ملائما ومناسبا لسني..أسلوبا ينقصه الترابط بعض الشيء...لكني كنت أصنع حبكة درامية في الأحداث لم يكن يضاهيني فيها احد...كان خيالي رحبا ...يجدد نفسه في كل قصة أكتبها....بعض أحداث هذه القصص سقطت مني سهوا وأنا أعبر الي الجانب الآخر من الحياة...

بعد مرور السنين عرفت ان قصصي جميلة...لم يكن أحد يكتب مثلما كنت اكتب..عرفت بعدها أن أستاذي الذي وقف في الفصل ينقدني وينقد اسلوبي في الكتابة تملكته الغيرة من ان الجميع يشيد بي وباسلوبي وموهبتي...

عدت الي الكتابة من جديد مصادفة بعد مرور سبع سنين علي حرق الدفاتر .. لكنني أفتقدت في عودتي أبطالي الأوائل التي قمت بحرقهم وبحرق أحداث حكايتهم بيدي....


أشياء كانت تميزني..1

Thursday, April 21, 2011

امطار بطعم الفرحة


لما بتبئي زعلانة بتاخد جمب من الدنيا والناس

وتقعد لوحدها ماتفكرش في حاجة ولا تفكر في حد ..ما تفكرش غير في ربنا

وتبئي نفسها الدنيا تمطر رغم انها عارفة ان دا مش وقت المطر
...
وبعدين تمطر السما شوية

والناس تفضل تتعجب وتقول سبحان الله الدنيا بتمطر في عز الصيف..

تبتسم وتحس ان ربنا بيطبطب عليها علشان ما تزعلش
.
.
.
.
.
.
كل لما يلاقي الدنيا مطرت في اي وقت غير فصل الشتا يفتكرها..

ويبئي عارف انها دلوئتي زعلانة فيزعل ...

بس يفتكر انها بتفرح لما الدنيا بتمطر وهي زعلانة علشان بتحس ان السما بتمطر علشانها ...

فيفرح

:)



Thursday, April 7, 2011

طرقات الماضي..3



عندما اطمئن بشأن زيارات صديقة أمه وابنتها وان ليس في الموضوع ريبة ارتباط او ماشابه بدأ يأخذ راحته في البيت ويجلس معهما حتي تأتي أمه لاستقبالهما واتيحت له فرصة الكلام مع هذه البنت اكثر من مرة ... كان يحب الكلام معها وتعجبه طريقة تفكيرها العملية التي تختلف عن باقي بنات جنسها.... رغم صغر سنها الا ان رجاحة عقلها جعلها تبدو أكبر من سنها بكثير...ينسي أمر نور ليس لأنه أحب هذه البنت بل لأنها قد شغلت تفكيره بعض الوقت وهو يريد لتفكيره ان ينشغل عنها حتي لا يعود يرتدي عباءة الماضي من جديد..

عندما نريد أن ننسي شخصا ما.. ننشغل عنه بشخصٍ آخر معتقدين اننا بذلك نمنع عنه الزاد الذي يمنحه حياة مديدة في الذاكرة الا ان انشغالنا عنه يمنحه فرصة أخري للبحث عن مخبأ آمن وسري في الذاكرة

تمضي الأيام ولا شيء يصلها منه ..لا اتصال ولا رسالة... تفكر في ان تعاود هي الاتصال وتفكر ان تفعل ماهو أكثر من الاتصال..تفكر أن تلقاه..انها لم تعد قادرة علي منع فيض حنينها اليه الذي اجتاح كيانها...تريد ان تراه وتتحدث معه...ربما لو عاد ورآها لأسره الشوق ..

أرادت أن تتجاوز حديث الهواتف النقالة...صحيح أنها تدين بالفضل لهذا الجهاز الذي أعاد لها حبها القديم لكنها قد ضاقت به ذرعا لأنه يختزلها في صوت ويختزله ايضا في صوت..صحيح أن الصوت يصف أحيانا حالة القلب اذا كان سعيدا او حزينا لكنه ليس كالعين التي لا تصف فحسب بل تفضح ايضا وهي تعرف ان لعينيها سحرا عليه لم يستطع طوال السنوات التي قضاها معها ان يفك طلاسم هذا السحر وهي تريد ان يقع أسيرا لعينيها من جديد..لم يعد كما الماضي حبيبها فقط بل صار الآن رجائها الأخير في الدنيا هو لا يعرف بعد أي مكانة يحتل في قلبها ..ربما لو عرف لتمسك بها

تتصل..

تجد نفسها علي قائمة الانتظار..كان يهاتف ابنة صديقة أمه ...قد صارت بينهما مواضيع تدفعهما لتجاذب أطراف الحديث علي شبكات الهواتف النقالة

تعاود الاتصال بعد بضع دقائق..تجد نفسها ايضا علي قائمة الانتظار

تساورها بعض الشكوك...تخاف ان تكون غيرها قد استأثرت بقلبه رغم انها ليست المرة الأولي التي تتصل عليه وتجد نفسها علي قائمة الانتظار لكن في هذه المرة شعرت أن أخري تطرق أبواب الحب الموصودة بقلبه…

بعد ان ينتهي من مكالمته يتصل عليها

هو:ازيك يانور

هي:تمام الحمدلله

هو:معلش كان معايا تليفون وماكنتش عارف ارد عليكِ

هي:شكله كان تليفون مهم

تريد منه اجابة تقتل ذالك الهاجس الذي روادها بأن هناك أخري يقترب منها وينجذب اليها

هو:لا ابدا مش مهم ولا حاجة..المهم انتي اخبارك ايه

تخدر اجابته الهاجس الذي راودها لكنها لا تقتله

هي:كويسة الحمدلله

هو:طيب تمام..

يلتزما الصمت كعادة كل مكالمة هاتفية بينهما حتي باتت تكره الصمت وتكره حواجز القلق التي تُبني من تلقاء نفسها بينهما وكأنها نبت شيطاني...هي بعد لم تفهم أن الصمت يأتي بصحبته في كل مرة تهاتفه وليس بصحبتها هي ولو أتي الصمت بصحبتها هي لقتلته ومثلت بجثته أمام الجميع ....تقرر أن تنهي المكالمة لأنها لم تعد تحتمل أن يكون حنينها من طرف واحد

هي: طيب بص انا هااقفل بئي

هو:طيب ماقولتيش انتي عاوزة ايه

هي:لا خلاص مش هاينفع أقول

هو:ليه مش هاينفع..قولي يانور

هي:قولتلك مش هاينفع..عارف لو ينفع كنت قولتلك

هو: ليه ماينفعش تقولي

هي: علشان ماينفعش..معلش انا لازم اقفل معاك دلوئتي

تغلق الهاتف وتذهب الي النوم..كان الوقت عصرا وليس هذا وقت النوم بأي حال من الأحوال لكنها خيبة الأمل التي تجعلنا نخلد للنوم في أوقات غريبة وعجيبة...تشعر بغربة موحشة داخل قلبها ..تجد الفراش باردا ...ربما هي التي منحت الأشياء من حولها تلك البرودة الصماء ..تشد عليها الغطاء وتتحسس ملمسه الناعم بيديها وتتسائل لماذا لم يعد حبيبها حانيا عليها مثل هذا الغطاء ...لماذا صارت الجمادات أكثر دفئا من الآخرين...تُغمض عينيها ويأتيها النوم سريعا ...

يريد أن يعرف ما تريده منه...أكثر ما يُثير الرجال الفضول لمعرفة شيئ تريده المرأة منهم

يزيد أصراره علي معرفة هذا الشيء الذي لا يجوز لها أن تخبره بشأنه

يفكر في الاتصال عليها لكنه يتذكر قراره بأنه لن يعود يتصل عليها مرة أخري... فيمتنع...ويقاوم تلك الرغبة المشتعلة داخله لمعرفة هذا الأمر التي امتنعت عن اخباره اياه...لكن مقاومته تضعف بعد عدة ساعات فيتصل عليها ..يسمع جرسا ولا يسمع ردا...كانت في غيابات النوم ساكنة...يتصل مرة أخري فلا يسمع ردا...يعتقد انها لا تريد ان تجيب عليه ..فيزداد شغفه وفضوله


تفكر في الاتصال عليه لكنها لا تفعل عندما تذكرت انها هي التي تعاود الاتصال عليه في كل مرة ..صحيح انها لا تعاود الاتصال عليه الا بعد ان تجد منه رسالة او ماشابه يدفعها للاتصال عليه مرة أخري لكنها هذه المرة تقرر أنها لن تعاود الاتصال ..صارت لديها قناعة بأن صاحب الحاجة يلح عليها دائما حتي ينالها وان كانت له حاجة عندها سيعاود الاتصال في وقت لا حق كما تفعل هي معه في كل مرة تعاود عليه الاتصال

سلبها النوم خيبة الأمل التي كانت تجرها ورائها وهي في طريقها الي الفراش ومنحها وعوضا عنها يأسا بلباس العناد


يترقب هاتفه ..يتوقع ان تتصل عليه ..لكنها لم تفعل ...فيتصل هو..تري اسمه علي شاشة الهاتف فتنفرج أساريرها..منذ حملها الحنين اليه لم تشعر انه يبادلها نفس الحنين الا هذه المرة

اجابته:السلام عليكم

هو:وعليكم السلام.. ازيك يانور

هي بصوت انخفضت نغمته وتزينت ببعض الجدية: الحمدلله بخير

هو: فينك يا بنتي اتصلت عليكي كتير وانتي ماردتيش

هي:دول مرتين مش كتير ولا حاجة

هو:مالك يانور انتي في حاجة مدايئاكي

هي:لا خالص

هو:انا زعلتك في حاجة

تلتزم الصمت بضع ثوان فيقول: يبئي انتي زعلانة مني فعلا

هي: لا مش زعلانة انا كنت نايمة لما انت اتصلت عليا علشان كدا مارديتش عليك

هو:سيبك من الاتصال دلوئتي ...انتي مالك

هي:مالي يعني ما انا كويسة اهو ماتخافش عليا انا بجد كويسة

هو: طيب قوليلي بئي

هي:اقوللك ايه

هو:الحاجة اللي كنتي عاوزاها مني بس مارضتيش تقولهالي وماتقوليش ماينفعش اقولهالك

هي: بجد عاوز تعرف

هو: ولو مش عاوز أعرف هااتصل بيكي والح عليكي اني اعرف

تتشجع ان تخبره فتقول : هو احنا ينفع نتقابل؟

يفاجئه السؤال ويقول: نتقابل ازاي يعني

هي:نتقابل ونقعد نتكلم

هو:في حاجة حصلت ولا ايه

هي:لو مش عاوز خلاص براحتك...ما انا علشان كدا ماكنتش عاوزة اقولك

هو:استني بس يانور..مش فكرة مش عاوز ..فكرة هانتقابل ازاي وفين

هي:نتقابل في اي مكان تحبه وفي اي وقت تحبه

هو:طيب يانور انا هااشوف كدا واتصل عليكِ اقولك


يشعر ببعض القلق ..لا يعرف لماذا تريد مقابلته ويتردد في هذا الشأن ...يخاف ان يوقظ هذا اللقاء بعضا من مشاعر الماضي وهو لم يزل لا يملك لها من الأمر شيئا...في النهاية يستقر رأيه لمقابلتها عله ينجح في وضع نهاية ممكنة لهذا الماضي الذي تأبي كله أحداثه الا ان تكون في الحاضر...

يتصل عليها ويخبرها انه سيكون بانتظارها في الغد بحديقة الأزهر ....يحملها الفرح علي جناحيه ليس لأنها تشتاق اليه وبالغد سيهدأ الشوق برؤيته ولكن لأنه اختار حديقة الأزهر مكانا للقاء..نفس المكان الذي كان يلتقيان فيه في الماضي

يذهبان في الميعاد....

يراها من بعيد تجلس علي أحد المقاعد الرخام المنتشرة في طرقات الحديقة.. ..تتلفت هنا وهناك كأنها تبحث عنه فيختبيء وراء الرجل الذي يبيع المثلجات والمياه الغازية للزائرين حتي يتسني له تأملها من بعيد...

يبتسم ..كأنه تركها بالأمس لازال جمالها خلاب ولازالت ضحكتها شمسا مشرقة علي وجهها . ..كانت ترتدي قميصا أسود وتنورة سوداء ...هو يحب اللون الأسود عليها لأنه يمنحها جمالا ويبدو وجهها كالقمر الوضاء في ليل هي تعرف أن هذا اللون يتربع علي عرش الألوان عنده..وانه يحب هذا اللون عليها كثيرا لهذا كان ردائها أسود اللون لكن وجهها لم يعد كالقمر …صار قطعا من الليل مظلما بعدما عادت الي الماضي لتجد ان لا احد عاد غيرها

يقترب أكثر منها ..تنتبه له وتزداد ضربات قلبها ..تتورد وجنتيها ..تقف صامته شاردة ..تحاول أن تحكم السيطرة علي هذا الأرتباك الذي أحدث فوضي داخلها من جراء رؤيته..تتمني الا يكون هذا حلما وتود لو ان تعانقه وترتمي بأحضانه لكنها لم تفعل ولن تفعل ...يخرجها من صمتها

ويقول: ازيك يانور؟

تشعر ببعض الغربة من نبرة صوته..تغير حبيبها قليلا

هي: الحمدلله كويسة

تحاول النظر في عينيه لكنها تفشل ..يمنعها ارتباكها وخجلها

هو: خير عاوزاني في ايه

يتعمد هذه اللهجة الحادة في الكلام حتي تفقد رجائها فيه..يفعل ذلك رغما عنه لأنه لا يريد ان يعلقها بآمال لا ُترجي

هي وقد أصابتها لهجته الحادة بخيبة أمل تقول: شكلك مدايق انك جيت..طيب لما انت ماكنتش عاوز تيجي كنت قولتلي واعتذرت

يلمح دموعا في عينيها علي وشك السقوط فيشعر بتأنيب ضمير ويقول: مين قالك ان انا ماكنتش عاوز آجي بالعكس يا نور..انا آسف لو طريقتي في الكلام دايقتك..الجيش بئي غير فيا كتير

هي: انا ما طلبتش اقابلك علشان اللي انت بتفكر فيه..انا بس كنت حابة اشوفك علشان اقولك ان موضوعنا زمان خلاص خلص ومفيش داعي يكون في حرج بينا وبين بعض بسبب الموضوع دا

هو:لا خالص مين قالك ان في حرج ما بينا او حاجة ..يانور انتي عارفة معزتك عندي اد ايه

هي: ومعزتك انت كمان عندي كبيرة اوي

هو وقد تغيرت لهجته الحادة وصارت أكثر لطفا: ربنا يخليكِ...قوليلي بئي ايه اللي انا بفكر فيه

تشجعها لهجته اللطيفة علي الكلام وتقول: يعني ان انا لسه بحبك وبفكر في الارتباط بيك

هو: انا مش عارف اقولك ايه..بس انا خايف يحصل نفس اللي حصل زمان ..انا مابفكرش في موضوع الارتباط دا دلوئتي ومش عاوز اظلمك معايا زي ما ظلمتك قبل كدا..يا نور انا كل لما افتكر اللي حصل زمان ضميري يأنبني

هي: ضميرك بيأنبك علي ايه بس...انا خلاص نسيت اللي حصل ومش زعلانة منك بالعكس انت كنت واضح معايا وعرفتني ظروفك وانا لسه فاكراها وعارفاها لحد دلوقتي

تسكت للحظات وتقول: انا عارفة انك مستغرب من اللي حصل..يعني علشان انا رجعت اتصلت عليك وكدا انا ممكن اقولك ازاي دا حصل بس مااعرفش اذا كنت هاتصدقني ولا لاء

هو: اكيد طبعا هااصدقك

هي: انا كنت ماشية لوحدي وبعدين لائتني بلعب في الموبايل وبتصل عليك ماجاش في بالي خالص انك لسه مشغل الموبايل اول لما سمعت جرس قفلت علي طول وصدقني ما كنتش هاارجع اتصل تاني بيك لولا انت اللي رجعت اتصلت واتكلمت

هو: انتِ ليه محسساني اني مدايق من اللي حصل بالعكس يعني كفاية اني اطمنت عليكِ وعرفت أخبارك

هي تخبره نصف الحقيقة وهو يخبرها الحقيقة كلها...

هي تود لو أن تخبره أنها تعشقه وعلي استعداد لأن تنتظره عمرها كله

وهو يود لو أن يخبرها أنه ليس الرجل المناسب لها وأنه لم يعد يحبها..فقط يحمل لها بعض الحنين وبعض الذكريات الجميلة

هو: طيب يا نور انا لازم امشي لأن عندي مشوار مهم

هي:طيب اتفضل وخلي بالك من نفسك

هو:انتي كمان خلي بالك من نفسك

يخرج يركب عربيته ويقف بها بعيدا عن الحديقة بعدة أمتار ..يفكر فيما حدث وفي طريقته الفظة في الكلام معها

لكنه لم يكن لديه بديل آخر حتي تنتبه لحياتها وتنساه.. هو ليس الرجل المناسب لها كما انها ليست المرأة المناسبة له ..هو لن يسطيع أن يقف أمام أهله مجددا..حسنا حسنا ليست المشكلة في أهله وحدهم هذه المرة بل فيه أيضا

هو يفكر بالعقل وللعقل حسابات أخري لا تتفق مع حسابات القلب وهو في السنوات الأخيرة أصبح ينحاز لعقله كثيرا حتي انزوي قلبه ولم يعد له أي حسابات

في طريقها الي البيت تدعو الله ان يساعدها في الخروج من طرقات الماضي...وأن يقف الي جوارها حتي لا تعود اليه مرة أخري بحججها الفارغة التي لا تحمل سوي معني واحد أنها تحبه وتريده لنفسها...هي بعد لقائه بها قد استنفذت كل آمالها في ان يعود كما الماضي يحبها ...لم يشفع لها حنينها ولم يشفع لها جمالها..لم يشفع لها حبها القديم ...

تدرك أن هناك أمورا كثيرا لا تأتي بالاستجداء ومن بين هذه الأمور الحب والحنين

يُتبع....

Saturday, February 26, 2011

جزء من قصة لسه ماكملتش


وطوال هذه السنون التي انقضت علي موت أمي رفض أبي الزواج ... وكنت وانا أجلس في غرفتي انهي بعض واجباتي المدرسية اسمع بعضا من حديث أبي مع أحد أصدقائه وهو ينصحه بالزواج فلديه طفل لن يستطيع ان يوليه اهتمامه كل الوقت ويجب ان تأتي امرأة ترعاه وترعي صغيره وتدير شئون البيت لكن أبي أخبره انه ربما يفكر لاحقا في الزواج لكن الوقت الآن لا يسمح له بذلك

كنت أكره هذا الرجل الذي يلح علي ابي دوما بالزواج....لم أفهم وقتها سوي شيء واحد ان هذا الرجل يريد ان يستبدل امي ويأتي بامرأة غريبة تشاركنا حياتنا لكنني رغم ذلك كنت قلقا بشأن أبي كان هناك شعورا ما يساورني ان أبي سيتزوج يوما ما

وبدأت أكبر يوما بعد يوم وأتفهم الحياة واستكشف اسرارها بنفسي وكان لذلك عندي متعة كبيرة غير ان هناك شيئان لم افلح حتي الآن في كشف اسرارهما ..كانا بالنسبة لي بمثابة اللغز, الشيء الأول هو حكمة الله وكيف يحدد الله ميعادا لكل من خلقه يموت فيه لكني كنت اتوقف احيانا عن التفكير في حكمة الله حين اتذكر قول ابي انه وحده من يعرفها ولا سبيل لغير الله بمعرفتها والشيء الثاني وهو الموت وكيف يبدو وماطعمه هذا اذا اعتبرت ان الموت سرا من اسرار الحياة

بدأت السنون تتوالي بعد ذلك وأبي لم يتزوج بعد... لم يقصر في اهتمامه بي وكان حانيا جدا علي لا يرفض لي طلبا غير انه كان قليل الكلام..لم تكن بيننا أي أحاديث جانبية كان صامتا أغلب الوقت وكنت ألحظ في عينيه حزنا لم أفهم سبب ومدعاته وكنت أشفق عليه كثيرا ...لم تكن في حياة أبي غيري..لم أعرف له أصدقاء سوي صديقه هذا الذي كان يلح عليه بالزواج ولم أر قريبا لنا يزورنا في عيد او غير عيد..كان أبي هو من يذهب لزيارتهم وعندما أسأله لماذا لا يأتون لزيارتنا يخبرني أن مواصلات الأرياف صعبة و لا طاقة لهم بأن يأتوا لزيارتنا مجتمعين لكن هذا لم يشفع لهم عندي وكنت أراهم مقصرين ليس في حقي بل في حق أبي اليس منهم رجلا ينزل القاهرة فيأتي ليزور أبي..كنت أشعر دائما أنه وحيد بحاجة الي من يؤنس وحدته وكنت دوما اعجز عن ذلك حتي أنني فكرت في أمر زواجه مرة أخري ولم أعد أكره صديقه القديم..نعم لماذا لايتزوج أبي هاانا قد كبرت وسأتفهم الوضع هو بحاجة الي زوجة تشاركه همومه ومعاناته التي يحجبها عني دوما



Wednesday, January 19, 2011

حبات الأمل




حين أعلنت السماء عن بدء سقوط بعضٍ من خيرها ونمائها علي الأرض كانت هي وصديقتها يتأهبان لاستقبال الأمل من السماء...يفتحان ذراعيهما للسماء ..يحتضنون حبات المطر.. يفتحان قلبهما علي مصراعيه لاحتواء انفعالات السماء لعل حبات المطر تنجح في غسل بقايا ذكريات المستقبل التي باتت مؤلمة ...ليس للمستقبل ذكريات الذكريات للماضي فقط لكن كثرة التفكير في المستقبل يجعلنا نعيش احداثه ونتوقعها وتصدق توقعاتنا مع الايام ويصير المستقبل ماضي له ذكريات ...


وقف أمام الشباك يشاهد قطرات المطر وهي تتوالي تباعا في السقوط غير آبه لنزلة البرد التي أصابته منذ أيام قليلة والتي قد تزيدها تلك الرياح الباردة التي تحملها امطار السماء ولما زادت قطرات المطر وتزاحمت أخرج يديه يداعب المطر او لتداعبه حبات المطر .. ووقف الي جواره صديقه يسأله النزول والسير تحت المطر ..لا يعيره اهتماما ويعود يخرج يده مرة اخري محاولا المسك بأي من حبات المطر الساقطة بينما صديقه لا يمل السؤال ويزيد الحاحه كالطفل حين يرجو أمه ان تفعل له شيئا يريده وترتسم علي وجهه ملامح البهجة البسيطة غير المعقدة


كان يجلس علي مكتبه يقلب بين الأوراق, يعيد ترتيب الأحداث والواجبات المنوط بالقيام بها...يري خيوط الماء وهي تنسدل من السماء في رفق ..يترك الأوراق وينحي الواجبات جانبا وينهض ليتأمل استسلام الكون والأشياء لخيوط الماء..يبتسم وتتسع ابتسامته , تلك الاحتياطات التي اخذها تحسبا لسقوط الامطار اجدت نفعا في النهاية ولم تذهب سدي...


عندما عادت من الخارج كان المطر قد زادت شدته...نظرتْ الي الجميع بابتسامة يكسوها الخجل لم يلحظه أحد لأنها قد أسرتهم بضي عينيها وكأنه الكون اغتسل من الأتربة والغبار...وسرت في قلبها فرحة جعلتها تتنازل عن بعض أشيائها للآخرين في حب وكأنها توفي بنذر ما..


كانت تنتظر قدومه في لهفة وعجلة من أمرها ...تتمني أن يأتي ولا يعيقه شيئا في الطريق ..لكنها ما كادت انت تنهي أمنيتها حتي بدأت زخات المطر, وتضائلت فرص قدومه حتي باتت منعدمة مع كثرة زخات المطر..لكنها سعدت بهذه الزخات وراحت تراقبها في شغف وكأن هذه الزخات هي لطف الله بها حتي لا تبتأس لعدم قدومه...


السماء تكتئب ولما يشتد اكتئابها تمطر, ...فتنفرج اساريرها وتتخلص من همومها وما ان تنتهي تبتسم ابتسامة عريضة ,ابتسامة بسبع الوان زاهية....هكذا هو أحساسي بالسماء...امطارها دموع لكنها دموع تحيل أشياءا كثيرة للأفضل ...


كانوا جميعا بحاجة الي دموع السماء..كانوا بحاجة لهذا الاحساس الصادق الذي سري في أوصالهم ولهذه الابتسامة التي كست ملامحهم ..كانوا بحاجة لتلك اللحظات القليلة التي انفصلوا فيها عن العالم والآخرين ولهذا الأمل الذي حملته اليهم حبات المطر