Friday, April 10, 2020

مجازفة


قال لها أريدك أن تكتبي قصة حياتي
أثار طلبه دهشتها فاعتدلت في جلستها وقالت: قصة حياتك!!
- اعتدل هو الآخر في جلسته وقال: نعم، ان حياتي بها أشياء كثيرة ملهمة للآخرين وأريد أن يعرفوها علّها ترشدهم في طريقهم..
-هذا جيد..ولكن
سكتت لثوان ثم قالت: الأمور لا تحدث معي بهذه الطريقة..
-أي أمور؟ !
-أن أسمع منك أو من غيرك شيئا ثم أذهب لأكتب عنه قصة..
-ماذا يتطلب الأمر إذن..
-يتطلب أشياءا كثيرة، أهمها وأولها أن يلمس ما اكتب عنه قلبي وروحي-هنا سرت في جسمه قشعريرة-..إن لم يتحقق هذا الشيء لا أستطيع ان أكتب أي قصة وإن كتبت فستكون مملة مثيرة للضجر..
-قال :إنكِ تعطين الأمور أكثر من حجمها ..لماذا لا تجربين..
-أحست منه إصرارا فقالت:اذا كنت مهتما فأنا أعرف كاتبا موهوبا جدا و بارعا..يملك من المفردات وأدوات اللغة مايجعله يكتب عن كل شيء وأي شيء..
-قال وهو ينظر في عينيها عن قصد: لا أريد كاتبا بارعا..أريد كاتبا رائعا..
هنا تدفق الدم بسرعة الي وجنتيها وردت بإبتسامة :أنا فقط أخاف ان أخذلك..
حتي الخذلان منك جميل..كان هذا حديث نفس تراجع عنه وإكتفي بقوله : لا تخافي..
وافقت علي طلبه في النهاية..في يوم آخر حيث هناك متسع من الوقت لديهما جلس يحكي لها عن حياته بسعادة بالغة..
هو يعرف أن حياته ليس بها شيئا ملهما ولا شيئا يستحق التدوين سوي حبه لها..هو أرادها أن تكتب قصة حياته  لأن هذا معناه ان تمضي وقتا بمفردها تفكر في بداية مشوقة للقصة ..هو يعرف أن أسعد أوقاتها تلك التي تقضيها وهي تكتب، لذلك أراد أن يحظي طيفه برفقتها في هذا الوقت..هو لا يكترث لأمر القصة، بل لتلك اللحظات التي ستمسك فيها بالقلم وتكتب عنه حينا ثم تتوقف حينا تفكر في "ماذا بعد".."ماذا سيحدث بعد ذلك"..هو يكترث لتلك الإبتسامة الرائعة والعينان اللتان ستلمعان بعدما تنتهي من كتابة القصة..هو يكترث لتلك التنهيدة التي ستخرج منها بعد عناء قضته في كتابة القصة ...رغم أن في ذلك مجازفة كبيرة لأنه يعرف أنها ربما لن تهتم لأمره بعد هذه القصة، لأنها أخبرته مرة أنها تتحرر من الأشياء والأشخاص عندما تكتب عنهم ..لكنه يطمع بجزء من وقتها علّها في هذا الوقت تدرك أنه يحبها فيدق قلبها له..

رضوي عادل

Thursday, April 2, 2015

أشياء كثيرة



الأجواء هنا كئيبة..كل شيء يحيا علي مضض، يترقب الفرصة للفرار ..للموت..
لا شيء يُبّشِر بحلم او هدف
الناس هنا تستنزف أمانيها دون إستحياء
ينفقون حماسهم دون وعي
الناس هنا طيبون ، قليلوا الحيلة بشكل ما
حقراء أندال بشكل آخر..


منذ جئت الي هنا وعلاقة الحب ترفض أن تتأصل بيني وبين المكان..
أنا أكرهه ، هو يكرهني..لا أعرف..
ما أعرفه أنك كنت الشيء الذي جعلني أفكر في حب المكان مرة أخري..


من أين تأتي بإبتسامتك..كيف تصنعها..
ماهي الآليات التي تتبعها لتخرج بذلك السحر والجمال
هل أخبرتك أن إبتسامتك آسرة..لم أفعل..أعرف..
أحب أن أتأملها عن أن أتحدث عنها..

لم يكن بيدي إتخاذ اي قرار..
كنت عاجزة تماما عن التفكير ، عن المضي قدما في المستقبل
كنت أسيرة الماضي..أغزل منه حكايات للصبابا
الحكايات كانت أجمل من الماضي..أجمل من الذكريات..أجمل مني أنا..

أخبرتني ذات مرة أن من هم مثلي لا يسع الأخرون الا ان يرابطوا امام حياتهم
ولا يمكنهم الرحيل مهما حصل..
سألتك عن السبب..أرجأت الأجابة الي أجل غير مسمي..
لم تخبرني السبب حتي الآن..لم أنزعج..يكفيني أنك صدقت القول ولم ترحل ..

قالت لي "انتِ قُرنفالية" ثم ماتت بعدها..لم يصفني أحد بهذا الوصف قبلها ولم أسمعه من أحد بعد مماتها..
لكنه الأصدق الي قلبي والأقرب أيضا..

سأفكر في السفر ذات يوم..عندما تتوصد دعامات الثقة في عقلي
عندما أقتل اللوم الذي يحتسي معي القهوة في الصباح

أنا لا أحب القهوة..لكني أشربها
أشربها لأنك تشربها..لأنك تحبها
أتقاسم معك تفاصيلك الصغيرة
هذا يظبط مزاجي..يظبطه أفضل من القهوة

أشخاص أتمني أن تفرغ حياتي منهم
سأضع مكان الفراغ الذي سيخّلفوه باقة ورد..
ستذبل باقة الورد..سأزرع ورد مكانهم..هذا أفضل..
لست من عشاق الورد
أمممم..سأملاها بالسكاكر..وكلما غلبني الحنين إاليهم ساتناول واحدة..
ستنفذ السكاكر ذات يوم..
سأملأها بأشخاص آخرين..ليست فكرة صائبة..
الآخرون سيئون وإن بدوا غير ذلك في البداية..
حسنا ساترك المساحات فارغة..
هذا أنسب الحلول..


كيف ستبدو الحياة أن لم تكن فيها..
ستكون سيئة..لا شك في ذلك وإلا لماذا إختصك الله دون الآخرن لتكون البهجة والرضا في حياتي..
لقد كانت الحياة سيئة قبلك..
حسنا لم تكن الحياة سيئة بل هم من كانوا سيئيين
سيئيين جدا..
لم أكن أدرك كم السوء الذي كانوا عليه الا عندما اقتربت منك..
لقد كشفت قبحهم..لكنهم لا يزالوا حتي الآن يعتقدون انهم الافضل..
هم واهمون ..واهمون جدا..
انا لا أكرههم ..انا أشفق عليهم..

Tuesday, August 14, 2012

تركيبة..2



الحياة لا تعني لها شيء..
الموت يعني لها كل شيء..


طلب منها أكثر من مرة ان تكتب قصة عنهم
وعدته في كل مرة أنها ستفعل..
هي حتي الآن لم تكتب عنهم أي شيء
هو يريد منها أن تكتب قصة عنهم لتجعلهم أبطالا..
هو بعد لم يفهم..هي يلزمها أن يكونوا أبطالا أولا حتي تستطيع أن تكتب عنهم
حاولت ذات مرة ..فوجدت نفسها تكتب قصة مملة
هي منذ ذلك الحين قررت الا تكتب عنهم أي شيء
لأن لا أحد يقرأ القصص المملة..


أخبرها أنه يستعين علي أوجاعه بالإنخراط في العمل
أخبرته انها تستعين علي صدماتها  بالكتابة
افترقا ذات يوم..
هو عرف أن الكتابة ستنسيها حبه..فلم يفكر في الرجوع..
هي عرفت أن عمله وشغله سينسيه حبها فلم تحاول العودة..
هو رغم اندماجه في عمله لازال الحنين يلهو في قلبه..
هي رغم تدويناتها الكثيرة لم تفلح في نسيانه..


هو لا يجعل من نفسه فريسة للأحلام
أخبرها أنه لايملك حلما
أخبرها ذلك عندما سألته عن حلمه في الحياة
قال أيضا ان الأحلام هي التي تأتيه طواعية وتتحقق له عن طيب خاطر..
كانت ستسأله كيف لكنها لم تفعل
ارادت له وحده الاحتفاظ بهذا السر
ليس لأنها لا تهتم..بل لأنها لا تشتهي الحياة بدون أحلام
لو أنه سألها نفس السؤال..
لأخبرته أنه حلمها في الحياة
لكنه لم يفعل..

هي لا تحب الشيكولاتة..
في كل مرة يقابلها كان يشتري لها واحدة..
كانت تتناولها دون شهية..
أحبتها بعد ذلك لأنها منه..
هي حين أدمنتها توقف عن شرائها..
فصارت تكرهها كثيرا..
 .
 .
 .


Sunday, June 3, 2012

معاملة لائقة



تمتليء حقيبة يدي وجيوبي بأوراق وفوارغ كثيرة لم تعد تجدي شيئا
أنتظر حتي أضعها في اي سلة مهملات او مقلب قمامة
لا أرمي شيئا في الشارع
حريصة أن أساهم في نظافة الطريق حتي وان بات كونه نظيفا دربا من المحال لوجود آخرين يلقون بفضلاتهم وكراكيبهم فيه طوال الوقت متحججين ان  الشارع علي كل حال ليس نظيفا وحتي ان كان نظيفا فإن فضلاتهم لن تنتقص من نظافته شيئا
لكني هذه المرة قمت بتمزيق تلك الورقة التي غفلت عنها وانا احرق اوراق الحنين
صارت أجزاءا كثيرة..
فتحت زجاج السيارة والقيت بها في الشارع ليدفعها الهواء الي الخلف
أري ذلك مناسبا للحدث ..فكل شيء بيننا ورائي الآن ,الحب ..الفقد..الوجع..التداوي
اعتذرت للشارع وتمنيت أن تدهس اقدام الآخرين تلك الأوراق الصغيرة
كان بإمكاني ان احتفظ بها في حقيبتي ريثما اصل الي سلة مهملات فألقيها فيها لتلقي مصيرها بعد ذلك الي الحرق..
لكني وجدت في الدهس والتجاهل معاملة انسب لتلك الذكري وهذا الوجع
.
.
رضوي عادل

Friday, May 11, 2012

تركيبة..

هي تعرف ان لا شيء يستحق
هي رغم  ذلك تعطي الأشياء أكثر مما تستحق..


في عينيها شيئا يجذبه اليها
هو لايعرف  هذا الشيء..
هي تعرف ان في عينيها شيئا يجذبه اليها
هي ايضا لاتعرف هذا الشيء..
ولا تحاول ان تعرف..

هو رغم انجذابه لها لم يحبها
هي رغم انجذابه لها لم تحبه
قد يكون احبها لكن يرفض الإعتراف بذلك
ربما لأنها بعد لم تقع في حبه..

هو يعني لها الكثير
هي تعني له أكثر
رغم ذلك حين يحادثها لايبدي اهتماما
هي ايضا..

هي تعرف انه يحب ضحكتها
أخبرها يوما ان ضحكتها جميلة
هي منذ ذلك اليوم تضحك في وجهه بمقدار..

هو يعرف انها تستوحي بعض احداث حكاياتها من الواقع
اخبرته ذات مرة ان ابطالها حقيقيون
هو منذ ذلك الحين حذر في الكلام معها
لا يحكي عن نفسه شيئا ولا عن حياته
هو لا يحب ان يكون بطلا في احدي قصصها..هكذا ببداية وعقدة ونهاية ينتهي أمره عندها
هو دون ان يشعر اعطاها قصة عن الحذر..

هي تركيبة معقدة..
لا أحد يعرف هذا الأمر عنها..
هو يعرف..لم تخبره..لكنه أستشف هذا منها..
هي حين أخبرته ..بدا مندهشا ونفي الأمر عنها..
هو بعد لا يعرف ان من سيفك طلاسم هذه التركيبة ستمنحه سحرها..
كانت ستغريه بالسحر..لكنها تراجعت..
ربما لأنها لا تراه يستحق سحرها..
.
.
.

Wednesday, July 27, 2011

مراقبة خارجية




تذهب قبل اللجنة بعشر دقائق...تحمل كراسات الاجابة وورقة للغياب ؛ لتسجيل الحضور ..تدخل اللجنة , تجد الطلبة يجلسون في جماعات..يقلبون أوراقا ودفاترا في عجلة من أمرهم ُمحدِثين أصوات عالية ..

ترفع صوتك قليلا وتقول: يلا يا بشمهندسين 4 صفوف

ينقطع ضجيجهم لثوان ويلتفتون اليك ثم يعودوا لتقليب الاوراق غير مبالين بطلبك وكأنك جملة اعتراضية توقفوا عندها لبضع ثوان ثم تابعوا القراءة

تطلب منهم مرة أخري وبصوت أعلي :يلا يابشمهندسين 4 صفوف

..

لايلتفتون اليك ايضا..

تضيف تهديدا الي طلبك مع لهجة صارمة حاسمة هذه المرة وتقول :كله من وقتكوا..مش هااوزع ورق الاجابة غير لما كل الناس تقعد في أماكنها

ينفك عقد الجماعات هذه المرة ويبدأون في التسلل بخفة الي الصفوف حاملين أوراقهم مع استمرارهم في تقليب الصفحات ؛ انها قناعتهم بأن ماسيقرئوه الآن سيأتي في الأمتحان

يأتي ورق الأسئلة وانت بعد لم توزع عليهم كراسات الاجابة

..

تقول لهم بعد ان تظبط الصفوف : اللي معاه حاجة تخص المادة يطلعها بره

.يستجيبون لندائك هذه المرة لأن الوقت قد أزف وبدأ العد التنازلي فعلا وهم يعرفون ان " كله من وقتهم " ولن تأخذك الرحمة بهم في نهاية الوقت وتمده لهم بضع دقائق

تبدأ في توزيع أوراق الاجابة ...يأتي زميلك الآخر لتوه ولم يشاركك نداءاتك العالية المتكررة التي كانت أشبه بكرة تُضَرب في حائط لترتد اليك مرة أخري ..كانوا هم الحائط الذي ارتدت عنه نداءاتك

يقوم زميلك بتوزيع ورق الأسئلة ويقول لهم بصوت عالٍ بعض الشيء :كل واحد يطلع اثبات الشخصية قدامه

ثم يصمت قليلا بينما هم يخرجون اثباتات شخصيتهم ويعود يسأل : حد قاعد مامعهوش اثبات الشخصية بتاعه..

لا يصله رد فيعتبر ذلك اجابة منهم أن الجميع معه اثبات الشخصية

تمر عليهم انت وزميلك طالبا طالبا لمراجعة البيانات التي علي اثبات الشخصية بالبيانات التي دونوها علي كراسة الاجابة

طالب , اثنان , والثالث لا تجد أمامه اثبات شخصيته..

تطلب منه بهدوء :اثبات الشخصية يا بشمهندس..

فيخرجه..تستعجب ..لقد طلبت من الجميع اخراج اثبات شخصيتهم امامهم فاستجاب البعض بينما لم يستجب البعض الآخر , اكان ذلك تطنيشا منهم ام كسلا ربما كنت تحدث نفسك وانت تطلب منهم ذلك فلم يسمعوك

تصل الي ذلك الطالب الذي لايحمل اي اثبات شخصية..يخبرك انه قد نسي بطاقته

تقول له وقد بدأ دمك يفور لكنك تتجاهل هذا الفوران :هو احنا مش قولنا اللي مامعهوش اثبات شخصية يتكلم

يرد الطالب عليك بهمهمات

تقول وقد زاد فوران دمك : مين تاني يابشمهندسين مامعهوش اثبات شخصية

لايتلفت اليك أحد كالعادة

توجه كلامك له وحده وتقول :اكتب علي الكراسة بدون اثبات شخصية وبكرة في الكنترول تجبهولهم

تتابع المرور علي باقي الطلبة حتي نتهي منهم جميعا...

تمر علي الحوائط فتجد كلاما كثيرا مكتوبا ..بعضه له علاقة بالمادة التي يمتحنوها الآن والبعض الآخر ليس له علاقة..تبدأ جاهدا انت وزميلك في ازالة آثار هذا الكلام..

يستغلون انشغالكما ويبدأون في الكلام..الآن فقط ظهر لهم صوت..انت منذ دخلت عليهم قبل بدء الامتحان بعشر دقائق وانت لم تسمع لهم صوت وكأنهم اتخذوا من الصمت منهجا ومنهاجا..

يقول زميلك: امنع الكلام يا بشمهندسين وبعدين..

يعودوا يلتزموا الصمت مرة أخري..لم تمر بضع دقائق حتي انهالوا عليك بالأسئلة فهم يريدون تفسيرا وشرحا لكل سؤال في ورقة الأسئلة واذا قمت بالرد عليهم وجدت شلالات من الاسئلة تتدفق ولا تنتهي ابدا ...انهم يفسرون الأسئلة بأسئلة وكلما قمت بتوضيح اسئلتهم وضعوك امام اسئلة جديدة تزيد الأمر صعوبة وتعقيدا..

تتذكر قوم بني اسرائيل عندما طلب منهم سيدنا موسي أن يذبحوا بقرة فاانهالوا عليه بأسئلة من كل حدب وصوب عن هذه البقرة..فتشفق علي سيدنا موسي ..لكنك تتذكر أنه نبي وأن الله منحه قدرة الصبر علي هذا الابتلاء..صحيح أنهم لا يشبهون بنو اسرائيل الا في هذه النقطة فقط لكنك لست نبي ولا طاقة لك بتحمل كل هذه الاسئلة

.تجد لنفسك مخرجا من هذه الأسئلة –عندما تكتشف ان اسئلتهم هذه ماهي الا لاستدراجك ليصلوا بك في النهاية الي الاجابة- وتقول : ماحدش يسألني في حاجة ..انا مش معيد المادة

عندما لا يجدوا منك جدوي, يبدأون في ممارسة طقوسهم الغريبة والطريفة في الغش , كأنهم مثلا يلتفتون لمن خلفهم..منذ ان كنت طالبا وأنت تعرف أن الغش المتعارف عليه يكون ممن يجلس أمامك وليس ممن خلفك لأن هذا لا يلفت الانتباه..الدوران للخلف يلفت الانتباه اكثر..

او ان تجد أحدهم يمد برأسه وجسمه الي الامام يحاول النظر في كراسة اجابة طالب يتقدمه بفين او ثلاثة صفوف متجاهلا الغش من طالب امامه مباشرة او طالب الي جواره...تشعر انهم يتعمدون لفت الانتباه اليهم فتبتسم له وتقول : كدا عينيك جايبة الكلام يعني...

ينظر اليك ويرد بابتسامة ويقول : مابغشش علي فكرة

تبدأ في تضييق الخناق عليهم انت وزميلك لكنهم لا يستسلمون ومايزيدهم ذلك الا اصرارا علي مواصلة طريقهم مطبقين المقولة التي تقول "اطلبوا العلم ولو في الصين" بكل حذافيرها...

تبدأ عناصر الشغب تكشف عن نفسها تنظر لهم فيبتسمون لك ابتسامة يكسوها بعض الحرج أنهم لن يكرروا هذا الفعل مرة أخري..لكنهم لا يفعلون فتغير أماكنهم وتُجلسهم في الصفوف الأمامية يعترضوا في البداية لكنهم في النهاية يمتثلون لطلبك

تجد البعض ينظر لك طوال اللجنة بابتسامة ..هو لايفعل شيئا سوي ابتسامة تنم عن نية خفية يضمرها بداخله تتعلق بشأن انتظاره اللحظة المناسبة لاخراج البرشامة التي معه..

يمر الوقت بطئيا جدا وكأن الدقيقة صارت مائة ثانية والساعة صارت مائة دقيقة....

يوشك الوقت علي الانتهاء تقول بصوت عالٍ: كل واحد يجهز ورقته قدامه الوقت خلص

لا يلتفت احد اليك حتي صاحب الابتسامة التي كان يلاحقك بها تخلي عنها وعاد يكتب في كراسة الاجابة وكأنه تذكر فجأة أن هناك امتحانا يجب ان يؤديه

تمر عليهم لتأخذ كراسات الاجابة فيطلبون ثوان اضافية لكنك ترفض

يقولون لك أحدهم : طيب حضرتك لم من الباقي وخليني في الآخر ..

لا تستجيب لطلبه لأن هذا يعني ان اللجنة كلها هاتفضل للآخر

بعد عناء تقوم بجمع كراسات الاجابة وكأنك كنت تنتزع صيدا ثمينا من فك الأسد

Monday, July 4, 2011

أجل غير مُسمي


كانت ملامحه بسيطة لم يكن بها شيء يلفت النظر سوي ذقنه التي طالت وكبرت الي الحد الذي يسمح له بتقبيلها....يرتدي جلبابا أبيض قصير يمتد أسفل الركبة بشبر أو أكثر من الشبر بقليل وسروال قصير يعلو قدميه بعدة سنتيمترات ..حذاؤه أسود اللون مفتوح من الأمام بحيث يظهر جميع أصابع الرجل ومفتوح من الخلف ايضا حيث يبدو الكعب أبيض تخالطه حمرة متفرقة ...شعره أسود لامع تماما مثل حذاؤه

كان شابا في منتصف العشرينات يأتي ليؤدي امتحان نهاية كل فصل دراسي , يرافقه اثنان من ضباط الشرطة بزيهم الأسود وكأنهم اختاروا لزيهم لونا غير الأبيض حتي لا يلتبس الأمر علي الآخرين وكأن اللون الأبيض قد صار جرما وافكا .. كل منا يرتدي ما يناسبه وما يعبر عنه

كان قدومه حافلا يترقبه الجميع في اهتمام وشغف ...فحياة الناس هناك مملة رغم أحداث حياتهم اليومية الصاخبة..لكن هذه الأحداث الصاخبة يحفظونها عن ظهر قلب حتي باتت لا تثير فيهم أي حماس أو رغبة في عمل شيء جديد…ربما كانوا هم أيضا أكثر مللا من حياتهم

يلتفت اليه الجميع لكنه لا يلتفت الي احد ..يمشي مطرقا رأسه في الأرض ...يقبل ذقنه ويتمتم ببعض الكلمات تستطيع بسهولة أن تعرف أنها استغفار وتسبيح

كان قد انضم الي جماعة الاخوان المسلمين فتم اعتقاله وتسجيله كعضو نشط في الجماعة مما يعني انه يهدد الأمن العام للبلاد وهذا يقتضي اعتقاله لأجل غير مسمي

يتأسف الجميع عليه وعلي شبابه الذي تنفرط حباته علي مدار السنين

لم تكن له اي توجهات سياسية أو أخوانية فيما مضي لكنه التخبط كان يعتقد ان هذه الجماعة بحوزتها الهداية والرشاد وكان بحاجة الي ان يعود الي الله فاانضم اليهم ونسي ان الدين والهداية نحصل عليهم بالرجوع الي الله وليس الي الجماعة..ربما ادرك خطأه هذا ولكن بعد اعتقاله

كنت اتسائل اليس هناك ثمة استئناف أو نقض لهذه التهمة التي الحقوه بها ...لكني عرفت انها قضية امن دولة ولا سبيل لخروج أمثاله من السجن الا بعد ان يمتص العمر رحيق شبابهم وعنفوانهم في الحياة...اي دولة هذه الذي يهدد امنها شاب يبحث عن الهداية

ربما كانت سياستهم "اضرب المربوط فيخاف السايب"

هو يعرف انه لن يعود الي الحياة والشوارع والناس الا بعدما ينقضي هذا الاجل الغير مسمي لكنه رغم ذلك يأتي ليؤدي امتحانات نهاية السنة الدراسية كل عام بانتظام ...يجتاز بعضها ويرسب في البعض الآخر.. لكنه يأتي

هل لأن خروجه لأداء الامتحانات فرصة جيدة ليعانق أشعة الشمس بحرية من دون جدران او نوافذ ام ليري وجوه الناس الحرة فيفيضوا عليه من حريتهم هذه فيشعر ولو لسويعات أنه حر...

الناس لم يكونوا احرار ولم تكن وجوههم حرة ..بل كانت اشعة الشمس هي الحرة ...لقد كانوا يعيشون تحت وطأة الغلاء والمرض والفقر لكنهم علي كل حال أفضل منه لأنهم يجوبون الشوارع والطرقات بحرية وهو يجوب زنزانته وطرقات سجن مظلم وكئيب بخوف وانكسار

ام انه الأمل الذي تمخض من ايمانه وثقته بالله بأن هناك يوما سوف يأتي وعن قريب يعود فيه الي العالم وينعم بمباهجه وأفراحه

يخرج شبابا في عمر الزهور مثله ينادون باسقاط النظام ويسخر منهم من لم يشاركهم هتافهم ثم تدب الفوضي أرجاء البلاد وينادي الجميع هؤلاء الشباب أن يكفوا عن الصراخ ..هكذا رأوا ثورتهم صراخا...لكن لا شيء يزعزع ثقتهم في الله وفي أنفسهم, يواصلوا هتافهم وتزداد اعدادهم بعدما رحل عنهم رفاقهم وماتوا في سبيل الله والوطن امام اعينهم...وتحقق الثورة مبتاغها ويتنحي من كانت بيده مقاليد الأمور ويسقط من بعده رؤوس الأفاعي التي كانت تبخ سمومها في البلاد....يداعبه الأمل أنه سيخرج من هنا عما قريب

تهدأ الثورة ولا يخرج من المعتقل , يهدأ أمله لكنه لا يموت

بعد أيام قليلة تعود الثورة ترسم ملمحا جديدا لها وتحترق مباني أمن الدولة... يتم العفو عن المعتقلين ويخرجون جميعا وهو معهم....يحتضن الكون ويعانق السماء ويقبل الأرض ...لا يصدق ان هذا الأجل الذي لم يجدوا له اسما وهم يصدرون امر اعتقاله أنه سينقضي بهذه السرعة

...ثلاث سنوات قضاها في المعتقل يزداد يقينه في الله يوما تلو الآخر أن هذا الأجل الغير مسمي سيصير له اسما يوما ما وسيخرج من هذه الجدران للهواء والشمس