Wednesday, June 1, 2011

نشأت...2



وبين جدلنا نحن الثلاثة ومفاوضاتنا علي كتابة الواجب كانت المدرسة قد وصلت لنا ووقف نشأت وصديقتي لينالوا عقابهم لكنني لم أترك صديقتي تنال عقابا كان من الممكن تلافيه لولا نشأت الذي ضيع عليها الوقت ولم تستطع كتابته

اخترعت حكاية للمدرسة ان اخو صديقتي الصغير قد مزق لها كراسة الواجب بينما انا كنت معها نكتبه سويا..انطلت الحكاية عليها خاصة انني احكمت تأليفها وتمثيلها واخراجها..كما ان صديقتي قد تقمصت دور الطالب المجتهد الذي ضاع مجهوده وهي كانت فعلا طالبة مجتهدة وسريعة البديهة غير انها كانت تضيق ذرعا بالواجبات المدرسية فلم تكن تكتبتها الا نادرا..اقتربت المدرسة منها وربتت علي كتفها وقالت لها:خلاص مايهمكيش ..الحصة الجاية ابئي هاتيه

معاكي

كان نشأت فاغرا فاه وهي يري مسلسلا تراجيديا يقوم بتمثيله اثنان من عمالقة الفن في الفصل وجمهورا متمثلا في المدرسة يصدقه بل ويصفق له ايضا

بقي نشأت واقفا ينتظر عقابه...هو يعرف اننا نكذب لكنه لا يملك دليلا واحدا علي كذبنا

يتوعدنا نشأت انه لن يترك هذا الموقف يعدي بسلام بينما انا وصديقتي كنا نحبس داخلنا ضحكا باتساع الدنيا ..ننتظر انتهاء الحصة حتي نطلق سراحه

تلقي نشأت ثلاث ضربات قوية علي يديه وجلس يتأوه بينما أنا وصديقتي لازلنا متقمصين دور الجدية والرزانة

تنتهي الحصة وتخرج المدرسة وتخرج معها ضحكاتنا ..يلتفت لنا نشأت ويقول بلهجته المميزة: ماشي ماشي ..انا في الفسحة هااروح اقولها كل حاجة

روحنا نسترضيه ونطلب منه العفو والسماح ووعدناه اننا سننفذ له كل طلباته ...

بعد هذه الحصة كنا نفعل لنشأت كل شيء...نكتب له الواجب في جميع المواد..نغششه في الامتحانات...نعطيه حلوي وساندويتشات ..نقرضه اقلاما ومساطر وممحاة ... كفت صديقتي عن توبيخها له وكنا نعتبره طرفا اولا في الحوار وليس ثالثا...وكلما كنا نضيق به ونغضب منه يعود الي تهديده ووعيده الذي كان صادقا حاسما اقرب الي التنفيذ منه الي التهديد

اذكر انها كانت المرة الأولي التي يمسك فيها احدهم عليّ ذلة...ربما لم تكن الأخيرة وان كانت الأبرز والأطرف من بين كل الذلل التي مسكها احدهم عليّ

وتلك الحكاية عن المدرسة التي كانت تخدم بالقصر جَعَلَنا نشأت أبطالا لها بدلا منها حتي صرنا نخدم عنده ...

وقتها فقط عرفت لماذا كانت كلمة التربية تسبق التعليم في شعار الوزراة.."وزارة التربية والتعليم" ...لو اتي موجها من الوزارة يفتش علي سير العملية التربوية في المدرسة لأخذت انا وصديقتي المركز الأول وعن جدارة والفضل في ذلك كان سيعود لنشأت طبعا

مضي علينا وقت طويل وانا وصديقتي تحت رحمة نشأت لا يكف عن وعيده ولا نكف نحن عن الخضوع لطلباته وأوامره حتي جيبنا أخر كما يقولون

في هذا اليوم الذي لم تطلع فيه شمس_علي نشأت طبعا_بينما كانت طلعت علينا طبعا,

في الحصة الأولي ..وقبل ان يقول لنا نشأت صباح الخير قال :انا ماكتبتش واجب الرياضة مين فيكوا اللي هايكتبهولي

ردت صديقتي: احترم نفسك بئي يا نشأت

قال: هاتعملوه ولا اقوم اقول للأستاذ

قولت له: طيب بص ادامك واحنا هانعملهولك

والتفت نشأت عنا .. لما دخل المدرس الفصل ذهبت اليه بخطي هادئة بينما الجميع يترقبني و قلت له وانا أتصنع الوداعة والمسكنة: يا أستاذ عاوزة حضرتك في موضوع

قلق الاستاذ وقال: خير عاوزة ايه

انا:ممكن بره الفصل

خرج معي المدرس دون مناقشة ..فقد كانت وداعتي تطغي عليه وعلي الحضور وعلي الاشياء من حولي

قلت له: دلوقتي يا استاذ نشأت بيقول علينا اننا بنقول كلام وحش علي مدرسة الرياضة واحنا ماقولناش عليها اي حاجة وكل شوية يقول لو ماعملتوش الواجب ليا هااروح اقولها انكوا بتقولوا كذا وكذا واحنا كنا بنخاف لو ماعملناش له الواجب يروح يقولها وتصدقه...وبقالنا علي الحال دا كتير والنهاردا الصبح جاي يقول لو ماعملتوش الواجب ليا هااروح اقولها واحنا مش عارفين نعمل ايه

سكت المدرس للحظات وقال لي: ايه التهريج دا..ازاي ماعرفتنيش من الأول ...ادخلي طيب وانا هااتصرف

دخلت الفصل وملامح الوداعة كانت قد اتخذت من نفسها ملمحا جادا وأصيلا علي وجهي

ودخل المدرس ونادي عليه: يا نشأت

هو: ايوا يا أستاذ

المدرس: تعالالي هنا

ذهب اليه

المدرس: شايف سلة الزبالة دي

هو: مالها

المدرس: وشك للحيط وارفع ايديك فوق وانت شايلها

بلهجته المميزة :ليه انا عملت ايه

المدرس بلهجة حاسمة حازمة:سمعت انا قولت ايه..ولا تطلع بره وماتجيش غير بولي أمرك

رمقنا نشات بنظرة يملؤها الوعيد...شعر ان في الأمر خدعة ما ..وقرر انه سيذهب الي المُدَرِسَة بعد هذه الحصة ويشي بنا عندها

وقف نشأت وشه للحيط وظهره لنا رافعا يده الي فوق وهي تحمل سلة المهملات

الجميع يسأل عن السبب وما علاقة ماجري لنشأت بخروج الاستاذ معي خارج الفصل..ماذا عساي قلت له حتي يعاقب نشأت مثل هذا العقاب

همست لي صديقتي :انتي عملتي ايه..يخرب عقلك

انا:بعد الحصة هااحكيلك كل حاجة...بس اطمني الموضوع انتهي خلاص

انتهت الحصة ونادي المدرس علي نشأت..

لم يحك لنا نشأت عن الحوار الذي دار بينه وبين المدرس لكني استطيع ان اخمن ما دار بينهما..

لقد حذره المدرس ان يعود الي الحديث في الكلام الذي اخبرته به..اعرف ايضا ان نشات ربما اقسم له اننا قولنا هذا الكلام فعلا علي المدرسة لكنه لم يصدقه..لأنني صاحبة الشكوي واننا نستطيع ان نبرأ انفسنا من تهمة الكلام لكنه لن يستطيع ان يبرأ نفسه من تهمة الواجب الذي كنا نكتبه له خصوصا ان خطي وخط صديقتي مميزا جدا كما ان خط نشأت كان مميزا ايضا ولم يكن يشبه خطنا في شيء

بعد هذا الموقف ربما جمعتنا صداقة حقيقة مع نشأت وان كنت انا وصديقتي لم نقابله بعد ذلك الا مرة او مرتان لكننا كنا ولازلنا نذكره بالخير ولا اعرف هل كان يذكرنا هو ايضا بالخير ام لا

توقفت انا وصديقتي عن تأليف حكايات التعذيب عن المدرسين وغير المدرسين..لقد علمنا نشأت درسا عظيما يجب ان يدرس في مناهج التربية والتعليم للمرحلة الابتدائية وهو اذا كنت ستتكلم عن مدرس فعليك أن تتأكد ان نشأت لا يسمعك ولا يعرف عن من تتكلمون

تمت


نشأت ...1


No comments: