Friday, May 13, 2011

كراميل



كان الوقت مساءا...الشمس تلملم أشيائها وترحل ...والجو كان خانقا حد الاكتئاب....وكنت مكتئبة حد الملل ,أرغب في الخروج..لكن من عساه غيري يرغب في الخروج..بامكاني الخروج وحدي لكن ثمة أشياء كثيرة ستعكر صفو خروجتي اذا كنت وحدي....

جائني هاتفا من صديقتي تسألني اذا كنت أرغب في الخروج معها لشراء بعض الأشياء او لا ....اجبتها دون تفكير بالايجاب...خرجت انا وهي نبتاع أشياءا عديدة ...أخبرتني أن ثمة محل علي أطراف المدينة يصنع عصائر جيدة...وافقتها علي الذهاب الي هناك رغم أنه لم تكن بي رغبة لتناول أي عصائر لكني كنت أثق في ذوقها وحسن أختيارها لبعض المشروبات والمأكولات....عندما وصلنا كنت أتلفت حولي أبحث عن المحل فاذا بها تستوقفني وتخبرني أننا قد وصلنا...كان المحل عبارة عن طرقة تمتد الي مترين أو أكثر من المترين بقليل...وكانت هناك ثمة لافتة متواضعة مرفوعة علي أعلي المحل مكتوب عليها "كراميل" راقني الاسم كثيرا رغم أنني لست من عشاق الكراميل

كانت هذه الطرقة تطل علي شارع رئيسي... يتكدس الناس علي باب هذا المحل أو هذه الطرقة ...يمنعهم من الدخول منضدة بعرض المحل قد وضع عليها ماكينة الكاشير ورجلا في الأربعين من عمره أو قبل الأربعين بقليل ..يرتدي تي شيرت برتقاني اللون يأخذ الطلبات من الزبائن ويعطيها لأحد زملائه المنوطين بتنفيذ هذه الطلبات


في نهاية الطرقة يقف شابا -علي مايبدو في منتصف العشرينات- ينجز المشروبات الساخنة من شاي وقهوة ونعناع وقرفة الي آخر المشروبات الساخنة التي يمكن أن تتخيلها او لا تتخيلها...يرتدي أيضا تي-شيرت برتقاني اللون,بينما في المنتصف كان هناك شابا في نفس سن الشاب صاحب المشروبات الساخنة ينجز المشروبات الباردة

وهنا في المنتصف تجد كرنفالا من الألوان لمشروبات تضحك وتبتسم مثلما نضحك نحن ونبتسم ...وأكواب من البلاستيك الشفاف مرصوصة علي منضدة صغيرة فوق بعضها يصب في كل منهم مشروبات الشيكولاتة الباردة والفراولة باللبن والمانجو بالأيس كريم وغيرها من المشروبات الباردة اللذيذة....

تشعر أنك أمام فرقة أستعراضية تقدم لك اسكتشا استعراضيا مبهجا ..كان الشاب هو مايستروا الفرقة...لم يكن لون التي شيرت الذي يرتديه يختلف عن اللون الذي ارتداه زملائه.. ولا اعلم لماذا أختاروا اللون البرتقالي تحديدا ...هل لأنه لون قوي تستطيع أن تميزه بين كم الألوان الكثيرة المنتشرة في أرجاء المكان أم أنهم كل يوم يرتدون لونا مختلفا وقد تصادف اليوم ان ارتدوا اللون البرتقالي

رغم تزايد أعداد الناس الواقفة علي باب المحل الا أن هذا الشاب كان يقود فرقته الاستعراضية في هدوء وتريث وكأنه فنان...لاشك انه كذلك فهذا هو تصرف الفنانين...رغم ذلك كان ينهي الطلبات في سرعة ...وتعجبت لجمعه بين هذين النقيضين ...التريث والسرعة...

تسائلت اين تعلم هذا الشاب هذه المهارة.. نعم انها مهارة ولو طلب مني ان أقوم بعمله فلن أستطيع ...بعض الأعمال نظنها سهلة بأمكاننا القيام بها الا انها ليست كذلك وتحتاج لأشخاص ماهرين..أشخاص يستطيعون العمل تحت ضغط دون أن يزعجهم هذا الضغط ويخرجهم عن شعورهم

كانت هناك مجموعة من الخلاطات الكهربائية تساعده في اتمام عمله...كان صوتها يطغي قليلا علي صوت من كانت تغني ...لا أذكر تحديدا صاحبة الصوت الملائكي لكن صوتها كان جملة لحنية تعزف برفق ليزداد المشهد جمالا وسحرا

كيف لهذ المكان الضيق أن يسع كل تلك الأعمال والمهام ...انه فن استغلال المساحات أم أن بهجة الألوان والمشروبات ودفء المشاعر والانسجام الكامل لهؤلاء الشباب مع مايقومان به هو من أضفي علي المكان سعة ورحبة

راح يصب مشروب الشيكولاتة الباردة في ستة أكواب وكأنه يعزف علي آلة الكورديون ولم تسقط نقطة شيكولاتة واحدة علي المنضدة ...نعم فنان

أخذ الشاب صاحب الأربعين ربيعا أكواب الشيكولاتة وناولها لصاحبها فوقع كوب منهم منه وانسكبت الشيكولاتة علي المنضدة بينما الباقي تساقط كزخات المطر علي الأرض

أعرف أن "دلق القهوة خير"..ماذا اذن عن "دلق الشيكولاتة

الشيكولاتة تدين بالفضل لهذا الشاب...كان مقدرا لها أن تنسكب لكنها لم تنسكب الا بعدما أعطاها هذا الشاب لزميله فأعطاه زميله للزبون...

جاء طلبنا سريعا بعد تنظيف المكان من الشيكولاتة ; أكواب المانجو بالأيس كريم ..كان لون المشروب أصفر ..لا أحب اللون الأصفر ..لكنه ابتسم لي هذا اليوم من خلف جدران الكوب الشفاف

"بعض الأشياء التي نكرهها تمنحنا بعض البهجة أحيانا"

روحت أتذوق بهجة اللون الأصفر وقد بدا لي عزف هذا الشاب جليا في أذني في كل مرة أتذوق فيها هذا المشروب

أنصرفت أنا وصديقتي وأنا أنوي العودة مرة أخري للاستمتاع بمعزوفة لحنية جديدة


6 comments:

موناليزا said...

أول ماقرأت العنوان وشوفت الصورة ما بقتش فاهمة إيه العلاقة لكن بعد القراءة اتضحت الرؤية:)

سردك رائع
استمرى

Unknown said...

حلوة الأفكار التأملية دي اللي بتخلي الواحد يفكر بشكل مختلف :)
جميل البوست دة يا رضوى

قلب ينبض لله said...

موناليزا

:)
لا احنا مابنحبش نسيب حد مش فاهم يا زوزو خصوصا لما يكون حد جميل زيك

نورتيني
:)

قلب ينبض لله said...

شيماء

الاجمل هو تعليقك يا شيماء
:)

Wish I were a Butterfly ... said...

وصفتي حلو أوي يا رودا
و عجبني جداااا موضوع إن العصير بيضحكلي دة :)). بجد وصفك وصللي فعلا إحساسك و خلاني حساكي مسحورة بالمكان و السيمفونية اللي بتتعزف جواه في بساطة

اللون البرتقالي بحسه هو دة لون النشاط.. أكتر لون يخلي الناس متحمسة و بتحب الشغل أو الحياة عموما

بوست مختلف عنك شوية:). بس حبيته أوي. تحياتي

قلب ينبض لله said...

هبة الجميلة

لو شربتي حاجة من هناك هاتعرفي ان المكان يستاهل اللي كتبته فيه
وان فعلا المشروبات بتضحك وبتزغزغنا كمان
:):)

ما انا لازم انوع واكتب حاجات مختلفة شوية علشان الناس ماتملش
:)
:)