عندما اطمئن بشأن زيارات صديقة أمه وابنتها وان ليس في الموضوع ريبة ارتباط او ماشابه بدأ يأخذ راحته في البيت ويجلس معهما حتي تأتي أمه لاستقبالهما واتيحت له فرصة الكلام مع هذه البنت اكثر من مرة ... كان يحب الكلام معها وتعجبه طريقة تفكيرها العملية التي تختلف عن باقي بنات جنسها.... رغم صغر سنها الا ان رجاحة عقلها جعلها تبدو أكبر من سنها بكثير...ينسي أمر نور ليس لأنه أحب هذه البنت بل لأنها قد شغلت تفكيره بعض الوقت وهو يريد لتفكيره ان ينشغل عنها حتي لا يعود يرتدي عباءة الماضي من جديد..
عندما نريد أن ننسي شخصا ما.. ننشغل عنه بشخصٍ آخر معتقدين اننا بذلك نمنع عنه الزاد الذي يمنحه حياة مديدة في الذاكرة الا ان انشغالنا عنه يمنحه فرصة أخري للبحث عن مخبأ آمن وسري في الذاكرة
تمضي الأيام ولا شيء يصلها منه ..لا اتصال ولا رسالة... تفكر في ان تعاود هي الاتصال وتفكر ان تفعل ماهو أكثر من الاتصال..تفكر أن تلقاه..انها لم تعد قادرة علي منع فيض حنينها اليه الذي اجتاح كيانها...تريد ان تراه وتتحدث معه...ربما لو عاد ورآها لأسره الشوق ..
أرادت أن تتجاوز حديث الهواتف النقالة...صحيح أنها تدين بالفضل لهذا الجهاز الذي أعاد لها حبها القديم لكنها قد ضاقت به ذرعا لأنه يختزلها في صوت ويختزله ايضا في صوت..صحيح أن الصوت يصف أحيانا حالة القلب اذا كان سعيدا او حزينا لكنه ليس كالعين التي لا تصف فحسب بل تفضح ايضا وهي تعرف ان لعينيها سحرا عليه لم يستطع طوال السنوات التي قضاها معها ان يفك طلاسم هذا السحر وهي تريد ان يقع أسيرا لعينيها من جديد..لم يعد كما الماضي حبيبها فقط بل صار الآن رجائها الأخير في الدنيا هو لا يعرف بعد أي مكانة يحتل في قلبها ..ربما لو عرف لتمسك بها
تتصل..
تجد نفسها علي قائمة الانتظار..كان يهاتف ابنة صديقة أمه ...قد صارت بينهما مواضيع تدفعهما لتجاذب أطراف الحديث علي شبكات الهواتف النقالة
تعاود الاتصال بعد بضع دقائق..تجد نفسها ايضا علي قائمة الانتظار
تساورها بعض الشكوك...تخاف ان تكون غيرها قد استأثرت بقلبه رغم انها ليست المرة الأولي التي تتصل عليه وتجد نفسها علي قائمة الانتظار لكن في هذه المرة شعرت أن أخري تطرق أبواب الحب الموصودة بقلبه…
بعد ان ينتهي من مكالمته يتصل عليها
هو:ازيك يانور
هي:تمام الحمدلله
هو:معلش كان معايا تليفون وماكنتش عارف ارد عليكِ
هي:شكله كان تليفون مهم
تريد منه اجابة تقتل ذالك الهاجس الذي روادها بأن هناك أخري يقترب منها وينجذب اليها
هو:لا ابدا مش مهم ولا حاجة..المهم انتي اخبارك ايه
تخدر اجابته الهاجس الذي راودها لكنها لا تقتله
هي:كويسة الحمدلله
هو:طيب تمام..
يلتزما الصمت كعادة كل مكالمة هاتفية بينهما حتي باتت تكره الصمت وتكره حواجز القلق التي تُبني من تلقاء نفسها بينهما وكأنها نبت شيطاني...هي بعد لم تفهم أن الصمت يأتي بصحبته في كل مرة تهاتفه وليس بصحبتها هي ولو أتي الصمت بصحبتها هي لقتلته ومثلت بجثته أمام الجميع ....تقرر أن تنهي المكالمة لأنها لم تعد تحتمل أن يكون حنينها من طرف واحد
هي: طيب بص انا هااقفل بئي
هو:طيب ماقولتيش انتي عاوزة ايه
هي:لا خلاص مش هاينفع أقول
هو:ليه مش هاينفع..قولي يانور
هي:قولتلك مش هاينفع..عارف لو ينفع كنت قولتلك
هو: ليه ماينفعش تقولي
هي: علشان ماينفعش..معلش انا لازم اقفل معاك دلوئتي
تغلق الهاتف وتذهب الي النوم..كان الوقت عصرا وليس هذا وقت النوم بأي حال من الأحوال لكنها خيبة الأمل التي تجعلنا نخلد للنوم في أوقات غريبة وعجيبة...تشعر بغربة موحشة داخل قلبها ..تجد الفراش باردا ...ربما هي التي منحت الأشياء من حولها تلك البرودة الصماء ..تشد عليها الغطاء وتتحسس ملمسه الناعم بيديها وتتسائل لماذا لم يعد حبيبها حانيا عليها مثل هذا الغطاء ...لماذا صارت الجمادات أكثر دفئا من الآخرين...تُغمض عينيها ويأتيها النوم سريعا ...
يريد أن يعرف ما تريده منه...أكثر ما يُثير الرجال الفضول لمعرفة شيئ تريده المرأة منهم
يزيد أصراره علي معرفة هذا الشيء الذي لا يجوز لها أن تخبره بشأنه
يفكر في الاتصال عليها لكنه يتذكر قراره بأنه لن يعود يتصل عليها مرة أخري... فيمتنع...ويقاوم تلك الرغبة المشتعلة داخله لمعرفة هذا الأمر التي امتنعت عن اخباره اياه...لكن مقاومته تضعف بعد عدة ساعات فيتصل عليها ..يسمع جرسا ولا يسمع ردا...كانت في غيابات النوم ساكنة...يتصل مرة أخري فلا يسمع ردا...يعتقد انها لا تريد ان تجيب عليه ..فيزداد شغفه وفضوله
تفكر في الاتصال عليه لكنها لا تفعل عندما تذكرت انها هي التي تعاود الاتصال عليه في كل مرة ..صحيح انها لا تعاود الاتصال عليه الا بعد ان تجد منه رسالة او ماشابه يدفعها للاتصال عليه مرة أخري لكنها هذه المرة تقرر أنها لن تعاود الاتصال ..صارت لديها قناعة بأن صاحب الحاجة يلح عليها دائما حتي ينالها وان كانت له حاجة عندها سيعاود الاتصال في وقت لا حق كما تفعل هي معه في كل مرة تعاود عليه الاتصال
سلبها النوم خيبة الأمل التي كانت تجرها ورائها وهي في طريقها الي الفراش ومنحها وعوضا عنها يأسا بلباس العناد
يترقب هاتفه ..يتوقع ان تتصل عليه ..لكنها لم تفعل ...فيتصل هو..تري اسمه علي شاشة الهاتف فتنفرج أساريرها..منذ حملها الحنين اليه لم تشعر انه يبادلها نفس الحنين الا هذه المرة
اجابته:السلام عليكم
هو:وعليكم السلام.. ازيك يانور
هي بصوت انخفضت نغمته وتزينت ببعض الجدية: الحمدلله بخير
هو: فينك يا بنتي اتصلت عليكي كتير وانتي ماردتيش
هي:دول مرتين مش كتير ولا حاجة
هو:مالك يانور انتي في حاجة مدايئاكي
هي:لا خالص
هو:انا زعلتك في حاجة
تلتزم الصمت بضع ثوان فيقول: يبئي انتي زعلانة مني فعلا
هي: لا مش زعلانة انا كنت نايمة لما انت اتصلت عليا علشان كدا مارديتش عليك
هو:سيبك من الاتصال دلوئتي ...انتي مالك
هي:مالي يعني ما انا كويسة اهو ماتخافش عليا انا بجد كويسة
هو: طيب قوليلي بئي
هي:اقوللك ايه
هو:الحاجة اللي كنتي عاوزاها مني بس مارضتيش تقولهالي وماتقوليش ماينفعش اقولهالك
هي: بجد عاوز تعرف
هو: ولو مش عاوز أعرف هااتصل بيكي والح عليكي اني اعرف
تتشجع ان تخبره فتقول : هو احنا ينفع نتقابل؟
يفاجئه السؤال ويقول: نتقابل ازاي يعني
هي:نتقابل ونقعد نتكلم
هو:في حاجة حصلت ولا ايه
هي:لو مش عاوز خلاص براحتك...ما انا علشان كدا ماكنتش عاوزة اقولك
هو:استني بس يانور..مش فكرة مش عاوز ..فكرة هانتقابل ازاي وفين
هي:نتقابل في اي مكان تحبه وفي اي وقت تحبه
هو:طيب يانور انا هااشوف كدا واتصل عليكِ اقولك
يشعر ببعض القلق ..لا يعرف لماذا تريد مقابلته ويتردد في هذا الشأن ...يخاف ان يوقظ هذا اللقاء بعضا من مشاعر الماضي وهو لم يزل لا يملك لها من الأمر شيئا...في النهاية يستقر رأيه لمقابلتها عله ينجح في وضع نهاية ممكنة لهذا الماضي الذي تأبي كله أحداثه الا ان تكون في الحاضر...
يتصل عليها ويخبرها انه سيكون بانتظارها في الغد بحديقة الأزهر ....يحملها الفرح علي جناحيه ليس لأنها تشتاق اليه وبالغد سيهدأ الشوق برؤيته ولكن لأنه اختار حديقة الأزهر مكانا للقاء..نفس المكان الذي كان يلتقيان فيه في الماضي
يذهبان في الميعاد....
يراها من بعيد تجلس علي أحد المقاعد الرخام المنتشرة في طرقات الحديقة.. ..تتلفت هنا وهناك كأنها تبحث عنه فيختبيء وراء الرجل الذي يبيع المثلجات والمياه الغازية للزائرين حتي يتسني له تأملها من بعيد...
يبتسم ..كأنه تركها بالأمس لازال جمالها خلاب ولازالت ضحكتها شمسا مشرقة علي وجهها . ..كانت ترتدي قميصا أسود وتنورة سوداء ...هو يحب اللون الأسود عليها لأنه يمنحها جمالا ويبدو وجهها كالقمر الوضاء في ليل هي تعرف أن هذا اللون يتربع علي عرش الألوان عنده..وانه يحب هذا اللون عليها كثيرا لهذا كان ردائها أسود اللون لكن وجهها لم يعد كالقمر …صار قطعا من الليل مظلما بعدما عادت الي الماضي لتجد ان لا احد عاد غيرها
يقترب أكثر منها ..تنتبه له وتزداد ضربات قلبها ..تتورد وجنتيها ..تقف صامته شاردة ..تحاول أن تحكم السيطرة علي هذا الأرتباك الذي أحدث فوضي داخلها من جراء رؤيته..تتمني الا يكون هذا حلما وتود لو ان تعانقه وترتمي بأحضانه لكنها لم تفعل ولن تفعل ...يخرجها من صمتها
ويقول: ازيك يانور؟
تشعر ببعض الغربة من نبرة صوته..تغير حبيبها قليلا
هي: الحمدلله كويسة
تحاول النظر في عينيه لكنها تفشل ..يمنعها ارتباكها وخجلها
هو: خير عاوزاني في ايه
يتعمد هذه اللهجة الحادة في الكلام حتي تفقد رجائها فيه..يفعل ذلك رغما عنه لأنه لا يريد ان يعلقها بآمال لا ُترجي
هي وقد أصابتها لهجته الحادة بخيبة أمل تقول: شكلك مدايق انك جيت..طيب لما انت ماكنتش عاوز تيجي كنت قولتلي واعتذرت
يلمح دموعا في عينيها علي وشك السقوط فيشعر بتأنيب ضمير ويقول: مين قالك ان انا ماكنتش عاوز آجي بالعكس يا نور..انا آسف لو طريقتي في الكلام دايقتك..الجيش بئي غير فيا كتير
هي: انا ما طلبتش اقابلك علشان اللي انت بتفكر فيه..انا بس كنت حابة اشوفك علشان اقولك ان موضوعنا زمان خلاص خلص ومفيش داعي يكون في حرج بينا وبين بعض بسبب الموضوع دا
هو:لا خالص مين قالك ان في حرج ما بينا او حاجة ..يانور انتي عارفة معزتك عندي اد ايه
هي: ومعزتك انت كمان عندي كبيرة اوي
هو وقد تغيرت لهجته الحادة وصارت أكثر لطفا: ربنا يخليكِ...قوليلي بئي ايه اللي انا بفكر فيه
تشجعها لهجته اللطيفة علي الكلام وتقول: يعني ان انا لسه بحبك وبفكر في الارتباط بيك
هو: انا مش عارف اقولك ايه..بس انا خايف يحصل نفس اللي حصل زمان ..انا مابفكرش في موضوع الارتباط دا دلوئتي ومش عاوز اظلمك معايا زي ما ظلمتك قبل كدا..يا نور انا كل لما افتكر اللي حصل زمان ضميري يأنبني
هي: ضميرك بيأنبك علي ايه بس...انا خلاص نسيت اللي حصل ومش زعلانة منك بالعكس انت كنت واضح معايا وعرفتني ظروفك وانا لسه فاكراها وعارفاها لحد دلوقتي
تسكت للحظات وتقول: انا عارفة انك مستغرب من اللي حصل..يعني علشان انا رجعت اتصلت عليك وكدا انا ممكن اقولك ازاي دا حصل بس مااعرفش اذا كنت هاتصدقني ولا لاء
هو: اكيد طبعا هااصدقك
هي: انا كنت ماشية لوحدي وبعدين لائتني بلعب في الموبايل وبتصل عليك ماجاش في بالي خالص انك لسه مشغل الموبايل اول لما سمعت جرس قفلت علي طول وصدقني ما كنتش هاارجع اتصل تاني بيك لولا انت اللي رجعت اتصلت واتكلمت
هو: انتِ ليه محسساني اني مدايق من اللي حصل بالعكس يعني كفاية اني اطمنت عليكِ وعرفت أخبارك
هي تخبره نصف الحقيقة وهو يخبرها الحقيقة كلها...
هي تود لو أن تخبره أنها تعشقه وعلي استعداد لأن تنتظره عمرها كله
وهو يود لو أن يخبرها أنه ليس الرجل المناسب لها وأنه لم يعد يحبها..فقط يحمل لها بعض الحنين وبعض الذكريات الجميلة
هو: طيب يا نور انا لازم امشي لأن عندي مشوار مهم
هي:طيب اتفضل وخلي بالك من نفسك
هو:انتي كمان خلي بالك من نفسك
يخرج يركب عربيته ويقف بها بعيدا عن الحديقة بعدة أمتار ..يفكر فيما حدث وفي طريقته الفظة في الكلام معها
لكنه لم يكن لديه بديل آخر حتي تنتبه لحياتها وتنساه.. هو ليس الرجل المناسب لها كما انها ليست المرأة المناسبة له ..هو لن يسطيع أن يقف أمام أهله مجددا..حسنا حسنا ليست المشكلة في أهله وحدهم هذه المرة بل فيه أيضا
هو يفكر بالعقل وللعقل حسابات أخري لا تتفق مع حسابات القلب وهو في السنوات الأخيرة أصبح ينحاز لعقله كثيرا حتي انزوي قلبه ولم يعد له أي حسابات
في طريقها الي البيت تدعو الله ان يساعدها في الخروج من طرقات الماضي...وأن يقف الي جوارها حتي لا تعود اليه مرة أخري بحججها الفارغة التي لا تحمل سوي معني واحد أنها تحبه وتريده لنفسها...هي بعد لقائه بها قد استنفذت كل آمالها في ان يعود كما الماضي يحبها ...لم يشفع لها حنينها ولم يشفع لها جمالها..لم يشفع لها حبها القديم ...
تدرك أن هناك أمورا كثيرا لا تأتي بالاستجداء ومن بين هذه الأمور الحب والحنين
يُتبع....
4 comments:
رغم انى مابعلقش على الموضوعات الى فيها اجزاء وبحب اعلق فى آخر جزء
بس هذه الجملة
تدرك أن هناك أمورا كثيرا لا تأتي بالاستجداء ومن بين هذه الأمور الحب والحنين
تستحق التحية:)
السلام عليكـم ورحمة الله وبركاتـه
:)
هما أربع كلمات بس هلعق بيهم
اللـه بجد
أبدعتي الطرح
:D
موناليزا
:)
طيب كويس اني كتبت الجملة دي في اخر الحلقة علشان تعلقي عندي يا موناليزا :):)
sakayar
انا ماشوفتكش هنا بئالي كتير
ينفع كدا يعني
:D:D
طيب الحمدلله ان القصة عجبتك وان انا ابدعت الطرح
:)
المدونة نورت :)
Post a Comment